TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المرأة الحديدية

المرأة الحديدية

نشر في: 25 يونيو, 2014: 09:01 م

كما اشرنا سابقا ، فإن سيَر الشخصيات التاريخية ، وخاصة في الافلام المنتجة في السنوات الخمس الأخيرة ، غالبا ما تكون فيها الشخصية مشيئة وفق ما يراه الناقد الفرنسي أندريه بازان ، او بتعبير آخر تكون ذات صلة بكشف التاريخ .. ففي هذه الأفلام يتجسد المثال الرأسمالي بأفضل صورة بأسطورة النجم. وتوقفنا سابقا عند فيلم كلينت ايستوود " جي أدغار " ، حيث تظهر فيه هذه الشخصية التي أثرت في تاريخ الولايات المتحدة على مدى أربعة عقود بصورة " النجم " . فالفلم ، مثلا ، لم يتطرق بشكل كاف الى الميول الجنسية المثلية لهوفر ، كما لم يوح بأن إمبراطورتيه المجسّية كانت أمارة على الكبت الجنسي . وكأن كاتب السيناريو والمخرج صاغا هوفر من الزاوية التي أعجب كلا منهما به . تأثير هوفر على أمريكا تم تجاهله ، هو الذي عاصر أخطر ، وأسوأ ، مرحلة من تاريخها. المثل الآخر هو فيلم (المرأة الحديدية) للمخرجة فيليدا لويد والمنتج عام 2012، ففي كلا الفيلمين ثمة حياد غريب، فقد انشغل صانعوهما بالبحث عن المثال ، او (التوقّ الى المثال) بحسب المخرج الكبير تاركوفسكي، والتركيز هنا على النجومية بتجريدها من بعدها الإنساني والتعاطي معها كونها استثناء لايتكرر، ومثل "جي ادغار" فان " المرأة الحديدية" لم يشر بشكل معمق الى الآثار الكارثية لسياساتها الاجتماعية ، التي لا زالت تعاني منها بريطانيا حتى اليوم .
الفيلم كما هو واضح يتناول جانبا من حياة مارغريت تاتشر احدى اشهر الشخصيات السياسية خلال القرن المنصرم ، وأول وأقوى رئيسة وزراء لبريطانيا من 1979 - 1990 ، وقبلها زعيمة لأكبر حزب بريطاني هو (حزب المحافظون) .. والاهم من هذا وذاك أنها حكمت في سنوات هي الأكثر احتداما بتاريخ بريطانيا وأوروبا، سنوات ازدحمت بأهم أحداث القرن ليس اقلها حرب الفوكلاند مع الأرجنتين ووصول الحرب الباردة الى ذروتها.
من هنا فان تناول سيرة هذه الشخصية التي خلع عليها الرئيس السوفيتي غورباتشوف لقب المرأة الحديدية لدورها الذي لعبته في الحرب الباردة، يتطلب الإحاطة الشاملة بكل جوانبها بالارتباط مع تاريخية الحدث، وهو ما لم يتصد له صناع هذه الدراما الحياتية، فالاثنا عشر عاما التي قضتها تاتشر في الحكم وايضا إجبارها على الاستقالة في نهاية المطاف ، لم تكن الحدث الأساس في الفيلم سوى بالرجوع لبعض تفاصيلها لإغناء الحبكة الرئيسة في الفيلم. اضافة الى ان الملمح الرئيس في حكم هذه المرأة المتعلق مثلاً السياسة المالية المتمثلة بوقف الدعم على قطاعات أساسية ، والتي القت بظلالها حتى في الأزمة الاقتصادية العاصفة في ايلول عام 2008 .
المشهد الاستهلالي في الفيلم والذي تظهر فيه تاتشر وهي تبتاع نصف لتر من الحليب ، كامرأة من العامة حتى انها تتعرض لمضايقة صبي في الشارع، ثم في لقطة تتناول فيها الفطور مع زوجها بينما هي تنصحه بعدم الإكثار من تناول الزبد.. لكن المشاهد سرعان ما يتعرف على هذه السيدة التي كانت حديدية يوما وهي تعاني من الخرف وفقدان الذاكرة .. وهي الثيمة التي سينشغل فيها نصف زمن الفيلم ، فيما يتوقف المتلقي في النصف الآخر عند اجترار ذكرياتها بدءا من التحاقها في جامعة اوكسفورد ، مرورا بالأيام السبعة عشر التي سبقت حرب الفوكلاند.
كاتب السيناريو وقبله كاتب القصة أعطى للخيال مجالا واسعا في قصة حياة تاتشر، وإن كان التاريخ حاضرا بقوة بتفاصيله التي ميزت حقبة حكمها، ومع هذا فان تناول شخصية بأهمية هذه السيدة الحديدية كان يجب ان يكون بالإطلال عليها من اكثر من زاوية، لذا فان إغفال الفيلم لتفاصيل كثيرة في حياة تاتشر المهنية ، جعل الصورة التي رسمها الفيلم تشكو نقصا كبيرا... فنحن لم نتعرف على الطريقة التي تعاطت بها تاتشر مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في سنوات حكمها، مثلما لم نتعرف على المقاربة مع نظام حليف لها وقف على رأسه شخص لا يبتعد بخصاله كثيرا عن تاتشر واعني به هنا (ريغان) وحقبته الريغانية.. والاهم ايضا طبيعة الصراع في ذروة الحرب الباردة التي شهدت نهايتها مع نهاية حكم تاتشر.
لانغالي هنا إن ذكرنا ان احد اهم الأسباب في النجاح التجاري لهذا الفيلم هو وجود صاحبة الأداء العبقري (ميريل ستريب ) ، فقد قدمت في هذا الفيلم اعظم إداء لها طيلة تاريخها المهني على اهمية ما قدمته من ادوار. وهو الدور الذي استحقت علي الأوسكار للمرة الثالثة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram