هل هناك فرق بين دور علم النفس الحربي وبين الحرب النفسية؟ نعم. علم النفس الحربي يلعب دورا وقائيا. أي انه يبحث في عوامل منع الحرب أو البحث في العوامل النفسية التي تؤدي لاندلاعها. بينما الحرب النفسية ترسم خططا هجومية وأخرى دفاعية في حرب فعلية قائمة وتعد جزءا من الآلة العسكرية.
هناك عوامل معروفة، سياسية واجتماعية واقتصادية، تتفاعل في ما بينها وقد تتحول إلى نزاع ومن ثم إلى حرب مباشرة. لكن هذه العوامل، منفردة أو مجتمعة، دائما ما تقف وراءها جملة من النوازع أو الدوافع السايكولوجية المركبة. وهذا ما بودي ان أتوقف عنده.
ربما يعرف أكثركم بان علم النفس هو علم دراسة العقل. بتعبير آخر انه يتناول العمليات العقلية الكامنة وراء السلوك الإنساني أو التي تحرك جميع أنواع النشاط الإنساني. والحرب شكل من أشكال ذاك السلوك أو النشاط. من هنا تنبع أهمية دراسة سايكولوجية الجماعات المتحاربة وكذلك سايكولوجية القادة الذين يؤثرون في تلك الجماعات.
يركز علماء النفس الاجتماعي على دور الجماعات في قيام الحروب. وخير من كتب في هذا العالم النفساني الجليل غوستاف لوبون في كتابه "سايكولوجية الجماهير". ان البحث في نفسية الجماعات يكشف لنا الأسباب التي تدفعها في بعض الأحيان إلى ارتكاب اشد الأعمال سخفا واقل حظا من التعقل والمنطق. يقول لوبون ان "عقل الجماعة يطابق في مستواه عقل الطفل أو عقل الإنسان البدائي". وهذا ما يفسر تقبل تلك الجماعات لعبارات مبهمة وساذجة أحيانا من قبل زعمائها وكأنها مسلمات لا تخضع لأي نقاش. وأنّى للجماعة ان تناقش أو تفكر في ما تسمعه وقد غاب عنها العقل! ومن الصفات السيكولوجية الأخرى للجماعات عدم شعور أفرادها بالمسؤولية. وهنا يسأل لوبون " كيف يتسنى لهم الشعور بالمسؤولية وهي موزعة عليهم وضائعة بين جموعهم؟". فلو جمعنا ضياع الشعور بالمسؤولية عند الجماعة مع هبوط مستواها الذهني وسرعة تأثرها بإيحاءات "القائد"، حتى وان كانت فاقدة للمعنى، سنفهم ما نراه فيها من السذاجة والنزق وعدم احتمال أي نقد أو انتقاد مع اندفاعات قد تؤدي بها إلى الهاوية دون ان تدرك ما يدور حولها.
أين يكمن الخطر؟ الخطر في ان هذه الجماعات، ستفقد توازنها مع أول انتكاسة حربية فينتابها فزع يقربها إلى حالة الهستيريا الجماعية. والفزِع لا يمكن ان يحقق هدفا مهما ادعى هو، أو من يقوده، القوة أو الثبات.
للحديث بقية.
عن علم النفس والحرب (1)
[post-views]
نشر في: 25 يونيو, 2014: 09:01 م