نتمنى أن يكون صحيحاً ما أعلنه وزير الخارجية الأردني ناصر جوده، من أن الأردن على ما يرام على الصعيد الأمني، لأن المشاكل على الطرف الآخر من الحدود، وهي استمرار للمشاكل التي كانت بالسابق، لكن المؤكد أن هذه النظرة قاصرة عن إدراك أبعاد ما يجري في المنطقة، وليس مفهوماً صدورها عن دبلوماسي مخضرم، إلا إن كانت مقصودة ويراد منها طمأنة الأردنيين حفاظاً على الأمن الداخلي، وتحسباً من تحركات داعشية تقوم بها خلايا التنظيم المنتشرة في البلاد، من معان إلى السلط والزرقاء، وصولاً إلى أقصى بقعة في الشمال، تحت مسميات السلفية المتنوعة بين الجهادية وغيرها من التسميات.
ليس مفهوماً على أي حرير تنام السلطات الأردنية، ما دامت تعترف بأن مخاوفها قائمة من ارتفاع العنف الذي سيؤثر على المنطقة بشكل عام، وأنها مازالت بصدد تقويم الأوضاع الجارية حالياً في العراق، وخصوصا الحدود الفاصلة بين الدولتين، وهي تظن، والظن هنا يقع في باب الإثم، أن ما يجري اليوم في بلاد الرافدين شبيه بما واجهته مملكة الهاشميين من مشاكل في جنوب العراق والأنبار في السابق، ولمدة طويلة على الحدود البالغ طولها 181 كيلومتراً، ولا تدرك أنها بمواجهة عدو شرس، بسط سلطته على مساحات من الأرض السورية والعراقية، تكاد تفوق حجم الدولة الأردنية، وهو يهدد بالتمدد في كل الاتجاهات، إلا إن كانت هذه السلطات تضع بيضها كله في السلة الأميركية، اعتماداً على أهمية الاستقرار في الأردن بالنسبة لاستراتيجيات الولايات المتحدة، ودون الأخذ بالاعتبار تقلبات صانع السياسة الأميركية، تبعاً لمصالح دول أخرى أكثر أهمية من الأردن.
يقول الوزير جوده إنه تباحث مع نظيره الاميركي جون كيري حول أوضاع العراق، وأنه أبلغه أن وصول الإرهاب وتأثير الانقسامات الطائفية، ليس في العراق فقط، بل في سوريا خلال السنوات الثلاثة السابقة، ولذلك فإن وجود حل سياسي بات ضرورياً جداً، ولا ندري إن كان السيد الوزير راجع قبل تصريحه هذا، المواقف الأميركية تجاه ما يجري في سوريا منذ ثلاث سنوات عجاف، وكيف أنها لم تفكر لحظة في حل سياسي مقبول من كافة أطراف الصراع هناك، صحيح أنها استفادت من خطأها هذا في معالجتها لما يجري في بلاد الرافدين اليوم، لكن الصحيح أن هذا يبدو متأخراً عن التوقيت الصحيح، نظراً لتسارع الأحداث وازدياد التباعد ما بين مكونات الشعب العراقي.
ثمة أحاديث لم تعد همساً، حول اتصالات بين السلطات الأردنية والمتمردين على سلطة بغداد في المناطق الغربية، وأن هناك تنسيقاً بين الجانبين لاستمرار عملية النقل بين البلدين بوتيرتها المعتادة، وأنه تبعاً لذلك فان عمان ترى أن ما يجري عند حدودها هو فقط مجرد أسبوع آخر، لأن الأحداث والتوترات كانت موجودة سابقاً، وأن ما يجري اليوم شبيه بما ساد خلال فترات سابقة، وذلك تبسيط مخل يترفع عن قبوله أي مبتدئ بالعمل السياسي، أما إن كانت كل هذه الطمأنينة عائدة للثقة بتماسك الجبهة الداخلية، فإن ما يجري في معان الواقعة تحت سيف التوتر، لا يبشر بخير ولو كان ضئيلاً.
إلاّ إن كان هناك ما لا نعلمه، أو نستطيع فهمه، فإن حديث الوزير جوده، بما هو تعبير عن السياسة الأردنية تجاه ما يدور من أحداث، ليس أكثر من لغو لا يُشترى بخمس فلوس.
الأردن ولغو الكلام الدبلوماسي
[post-views]
نشر في: 25 يونيو, 2014: 09:01 م