في دائرة حكومية واحدة، جرت ثلاثة شجارات خلال يومين بين موظفين ،بلغ الأول حد الصراخ في وجوه بعضهم البعض وبلغ الثاني حد الشتائم والخصام أما الثالث فكاد يصل إلى حد تبادل الضرب لولا وجود موظفين يفضلون دائما الوقوف على الحياد ويتقنون فن إنهاء النزاعات بإبعاد الأطراف عن بعضها البعض كأن يخرجوا إلى الحديقة لتنشق هواء نقي أو يذهبوا إلى حجرة أخرى تضم موظفات لاهم لهن إلا تخدير الشاي وتناول الساندويتشات والكليجة ..
كانت مواضيع الشجارات الثلاثة هي ذاتها ..يدافع الطرف الأول عن حق أهالي المناطق الغربية في استحصال حقوقهم بالقتال حتى لو وقف إلى جانبهم أناس غرباء سينتهي دورهم بمجرد انتهاء الحيف والتمييز الطائفي على تلك المناطق لأنهم قادرون على إخراجهم منها متهمين الحكومة الحالية بالتحريض على الطائفية ،الأمر الذي قاد أهالي المناطق التي أصبحت منكوبة في النهاية إلى حمل السلاح لقتال مابات يطلق عليه ( جيش المالكي ) ...أما الطرف الثاني فيرى ان من واجب الجيش تنظيف تلك المناطق من داعش وأعوانها حتى لو كانوا أهالي تلك المناطق أو سكانها الأبرياء فهم من سمح لتلك العناصر الغريبة بدخول أراضيهم وإذن فهم يستحقون العقوبات بجميع أنواعها ..
ويستمر النقاش بين الأطراف ويتصاعد دون ان يلتقوا عند نقطة واحدة يحددون بها المخطئ الحقيقي فكل منهم يزداد إصرارا على رأيه بسبب توجهه أو قناعاته المذهبية أو تلقيه الأنباء من وسيلة إعلامية واحدة وبالتالي يتحول النقاش اللي شجار فيكرر كل الأطراف عبارات لم ترد سابقا على ألسنة العراقيين فهؤلاء يقولون ( نحن ..وانتم ) وأولئك يقولون ( مدننا ..ومدنكم ) ..
ربما تحصل نفس الشجارات بين الأطراف السياسية أيضا وقد تصل حد تبادل الشتائم ..إذن ..لابد ان نعترف ان وباءً يجتاح العراق يحمل اسما شديد الخطورة هو(نحن ..وانتم ) ..والمصيبة ان هذا الوباء الخطير ينتشر بسرعة لعدم وجود دواء له حتى الآن من قبل المسؤولين السياسيين لأنه يؤثر على صحة العراقيين العقلية والبدنية والنفسية المرتبطة جميعها بالاستقرار السياسي في مناطقهم على امتداد العراق التي لم يفكر أهلها من قبل في عبارات ( نحن ..وانتم ) ..
وهم يجلسون أمام شاشات التلفاز ، متتبعين الأخبار السياسية ..يراود العراقيين أحيانا خيال ما بأن الأخبار ستكون مفرحة يوما ما فتختفي صور القتل والتدمير ونزوح العوائل وانهيار المدن وتدخل الغرباء والدول المجاورة في شؤون العراق وتسود بدلها أنباء التفاف العراقيين جميعهم حول هدف واحد وحلم مشترك ببناء عراق موحد جميل يسوده الأمان والاستقرار ...ربما تزداد شطحات خيالهم فيحلمون بحصة في النفط وفرص عمل وسكن وخدمات ووئام بين الطوائف وقبل كل شيء بتشكيل حكومة تقرأ مايدور في أخيلتهم وتحقق أحلامهم ...لكن الغريب ان القنوات التلفازية هي واحدة من اهم وسائل نقل الوباء الجديد وانتشاره فشرائطها الإخبارية مازالت متخمة بأعداد القتلى العراقيين وابتسامات المذيعين مازالت تخفي خلفها المزيد من الدم العراقي .أما تصريحات ضيوفهم من المسؤولين فتحمل بين طياتها أحيانا فايروس الوباء الخطير ( نحن ..وأنتم ) ويكاد النقاش بينهم يصل أحيانا إلى حد الشجار ...
الأيام تتلاحق والوباء يزداد انتشارا فهل من وسيلة سياسية ناجعة كتشكيل حكومة جديدة تحقق الحلم العراقي بالابتعاد عن اللون الطائفي وتقتل فايروسات ( نحن..وأنتم ) بدواء ( كلنا عراقيين ) .أم إنني غاليت أيضا في خيالاتي وابتعدت كثيرا عن أرض الواقع ؟
نحن... وأنتم
[post-views]
نشر في: 27 يونيو, 2014: 09:01 م