(داعش) وحلفاؤه أو المتوافقون معه أو السائرون في ركابه يجتاحون بغداد... هل هذا ضرب من الخيال الجامح؟ .. أكان أحد يتصور أن يجتاح هذا التحالف الداعشي محافظة نينوى كلها ثم صلاح الدين بأجمعها وأجزاء مترامية الأطراف من ديالى وكركوك، فضلاً عن الأنبار، في ثلاثة أيام أو أربعة؟
ذاك الاجتياح كان بمؤامرة وخدعة .. ليكن. المتآمرون والمخادعون لا وطن لهم ولا مدينة، فكما وُجدوا في الموصل وتكريت والفلوجة، لِمَ لا تكون خلاياهم النائمة كامنة في العاصمة وسائر مدن البلاد أيضاً ؟
لنفترض أن (داعش) وحلفاءه قد بدأوا باجتياح بغداد أو اجتاحوها بالفعل، ما سنفعل؟ هل سنظل نتجادل في أن الحكومة المطلوب تشكيلها لتخلف الحكومة الحالية المنتهية ولايتها ووصايتها لا ينبغي أن تحيد عن أحكام الدستور قيد أنملة؟ وان الاستحقاق الانتخابي يتعيّن التمسك به كما التمسك بالعروة الوثقى؟ .. أليس من المنطقي أن يكون الخيار الأسلم والأنجع تشكيل حكومة إنقاذ وطني؟
قبل أن يجتاح (داعش) وحلفاؤه نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، بل قبل أن يجتاحوا الأنبار ويمكثوا في أقرب مدنها إلى العاصمة، الفلوجة، وقبل أن تجري الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، كان خيار حكومة الإنقاذ مطروحاً، وهو استند إلى واقع أن البلاد تفاقمت فيها خلال الأربع سنوات الأخيرة أزمة سياسية خانقة ترتبت عليها أزمات خانقة هي الأخرى في ميادين الأمن والاقتصاد والخدمات والثقافة والأخلاق .. وبالتوازي كانت أعمال الإرهاب تتفاقم، فيما الدولة تبدو عاجزة تماماً عن مواجهة هذا الخطر الداهم، والحكومة القائمة فاشلة في حل الأزمات الخانقة أو حتى مجرد السيطرة عليها.
عجز الدولة وفشل الحكومة كانا أمراً محتماً، لأن العملية السياسية برمتها قد وصلت إلى طريق مُغلقة، وكان لابدّ من عمل ما لمعالجة عجز الدولة وفشل الحكومة. عند تلك النقطة انطلقت فكرة حكومة الإنقاذ الوطني. هذه الفكرة لو كانت قد أعطيت فرصة الحياة قبل سنة مثلاَ ما كنا شهدنا كل التطورات الدراماتيكية التي بدأت بفضّ اعتصام الحويجة بالقوة المسلحة وانتهت بسيطرة (داعش) وحلفائه على نحو ثلث مساحة البلاد.
في كل دول العالم، بما فيها ذات الديموقراطيات العريقة والراسخة، عندما يجد المجتمع انه قد تطور بما يستدعي تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد فان أحداً لا يرفع عقيرته بحرمة الدستور وقدسيته، فلماذا تُرفع البطاقة الحمراء في وجه فكرة حكومة الإنقاذ ووصمها بتهمة الانقلاب على الدستور، فيما البلاد تواجه خطراً وجودياً حقيقياً؟
من الواضح أننا الآن عشية تشكيل حكومة محاصصة على غرار الحكومات السابقة الفاشلة، أو نكون في وضع يتعطل فيه عمل الدستور من الأساس، فإصرار دولة القانون على أن يتولى السيد نوري المالكي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، يعني تحقيقه في أحسن الأحوال تشكيل حكومة ضعيفة للغاية لأنها ستكون من دون الكرد والأحرار ومتحدون وربما المواطن أيضاً فضلاً عن الوطنية.
الخطر الداعشي الذي دهمنا يتطلب حكومة إنقاذ وطني قوية، تحت رقابة البرلمان المنتخب، تتحدد مهمتها بتحرير المحافظات من سيطرة (داعش) وحلفائه وإصلاح عيوب العملية السياسية، بما في ذلك تعديل الدستور وتشريع القوانين اللازمة لإعادة هيكلة الدولة بما يجعلها دولة قوية منيعة على الفساد والمؤامرات والاجتياحات والتدخلات الخارجية.
حكومة الإنقاذ .. مشكلة أم حل؟
[post-views]
نشر في: 27 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
farid mohamad
الأستاذ جيد ماتطرحه..ولكنك بصراحة أنت وأنا نحمل خلفية ماترتب عن التعسف من النظام السابق..وهذا يكون معوق في ذواتنا وأنا متأكد أنك لم تنسى ذلك وذكرت ذلك و غضبك حتى على رواد ومؤسسة الدولة العراقية الحديثة كون جزء منهم من أخواننا العرب وهم معضمهم علمانين وذ