اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أيــن نــرمــي جثّتــــك؟ .. قراءة في كتاب "ليلة الهرير" لأحمد الحبوبي

أيــن نــرمــي جثّتــــك؟ .. قراءة في كتاب "ليلة الهرير" لأحمد الحبوبي

نشر في: 2 ديسمبر, 2009: 04:06 م

صلاح نيازي خلال أربعٍ وعشرين ساعةً، عاشها المؤلّف أحمد الحبّوبي في "قصر النهاية" الرهيب، نتعرّف على أصواتٍ لم نألفْها من قبل. أصوات فقدتْ اعتياديّتها، لصرير الأبواب الحديدية لغة، لرنّة التلفون لغة، لوقع أقدام الحرّاس لغات، أمّا "نعم سيّدي" فهي لغة الذبح أو كسر عظام الوجه والرأس. أسوأ هذه اللغات إطلاقاً، الحنجرة البشرية حين تكون محشوّة بزناد بندقية،
نتعرّف في هذا الكتاب على ظلامٍ غريب لا يجلب النوم، وعلى صمتٍ مستوفز تتورّم من هوله طبلة الأذن. كيف يُقرأ هذا الكتاب الصغير؟ وعلى أيّ محملٍ يُجمل؟ هل هو لائحة قانونية – - والمؤلف محامٍ – لإدانة وضعٍ سياسيّ في مرحلةٍ ما؟ أم أنّه إدانة للإنسان كإنسان بغضّ النظر عن انتمائه الحزبي أو الطائفي؟ يقول المؤلّف "حرصتُ.. أن تكون ليلة الهرير سجلاّ واقعيّاً وأميناً لكلّ ما سمعتُ، وما رأيتُ من أحداث عشتها وعايشتها،.. ليلة الهرير ليستْ عملاً روائيّاً يخضع للحبكة والصنعة ويسمح (للروائي)، أن يزوّقه بأسلوب أدبيّ وفنّي.."، لنبدأ أوّلاً بالعنوان "ليلة الهرير في قصر النهاية". يقول المؤلّف: "فالهرير لغة.. من هرّ الكلب: مات الكلب بدون نباح من شدّة البرد، أو صوت الكلب دون نباح من شدّة البرد". ثمّ يأتي المؤلف بعد ذلك إلى معناها الثاني المأخوذ من معركة صفّين: "فقد كان البرد في تلك الليلة قارساً إلى الحدّ الذي كان يُسمع للجنود هريرٌ كهرير الكلب". اختار المؤلّف المعنى الأوّل: "أمّا أنا فقد كنتُ أهرّ من شدّة البرد، كما يهرّ الكلب تماماً وأنا قابع في تلك الزنزانة في تلك الليلة من ليل شهر كانون الثاني، أيْ يوم 20 –21/1/1970. ما علاقة الإنسان بالكلب هنا، وقد تصوّر نفسَه حشرة في غثيان كافكا؟ وما علاقته بالحشرات والديدان البشرية التي شاعت في الأدب التشيكي في العشرينيات من القرن الماضي؟ تنحاز الضحية إلى جلادها حين تتصوّر نفسها شيئاً دونيا أدنى بشرية، كالحشرات والهوام. بهذه الطريقة تستسلم لضروب الإهانات والتعذيب وتكفّ عن الاحتجاج. وكيف تحتج وقد انتزعتْ هي نفسُها صفاتهِا البشرية! ماذا عن قصر النهاية؟ كان هذا القصر يُسمى قبل ثورة عام 1958، "قصر الرحاب"، وهو مقرّ العائلة المالكة"، وفيه قُتل الملك فيصل شابّاً مع بعض أفراد عائلته، حوّله الزبانية إلى سجن لا إلى متحف كما هو مفروض، شهد هذا القصر شرّ أنواع التعذيب.. سُمّيَ القصر شعبياً بعد عام 1958 "بقصر النهاية" أي نهاية العهد الملكي. بعد عام 1963 أخذت التسمية منحىً جديداً، فمن يدخلْ فيه لا يخرج منه حيّاً. مع ذلك ظهرت بمرور الأيّام تفسيرات غيبية وسياسية وفلسفية منها أنّ دم الملك فيصل الثاني يورث أو يطلب الدم، مستشهدين بشيكسبير ودم الملك دنكنْ الذي قتله مكبث، لذا أصبح اقتصاصاً من كلّ الوطنيين الذين ثاروا ضدّ الملكية أو اقتصاصاً من الذين اشتركوا في حرب فلسطين. على أية حال، يبدأ الكتاب بهاجس، يمهّد له المؤلّف بما يلي: "كان الضباب كثيفاً يحجب قرصَ الشمس صبيحة ذلك اليوم، فيشيع في النفس الضيق والانقباض، فقد كان واطئاً مخيّماً على أسطح المنازل مطبقاً على الشارع، تتعذر معه الرؤية، ويلفح الوجوه بنداه القارس"، بهذه المقدمةُ البسيطةُ استنفرت مكونات التطيّر، فمن ناحية عطّل المؤلّف حاسّة البصر بتعطيل الشمس نوراً ودفئاً، ما زاد في حدّة الهاجس وغموضه، يأخذ المشهد أعلاه أهمية إضافية بمقارنته بالزنزانة فيما بعد حيث الظلام أسود كأنّه صلد، وحيث البرد والرطوبة قاتلان للنوم.. يحمل الراوية هاجسَه اللافح، بحكم العادة إلى غرفة المحامين للالتقاء بزملاء المهنة، ولكنّه لم يجدْ أحداً. تدور في غرفة المحامين هذه، كما يصفها الراوية: "مختلف الأحاديث، التي تهمّ المهنة ولا تهمّها، وأغلبها أحاديث سياسية تخصّ العراق والعالم، وغرفة المحامين مجتمعٌ مفتوح لكلّ التيارات والمعتقدات تتمثل بالزملاء من المحامين أو مَنْ يؤمّها من الناس (المراجعين) وتتمتع بجوٍّ ديمقراطي". هكذا إذنْ، باحتجاب الشمس وهيمنة الضباب، وخلوّ غرفة المحامين من أحد استشرى الهاجس. حسب الراوية غرفة المحامين بمثابة ملاذ لتفريغ التطيّر. خرج الراوية إلى الشارع على غير هدى:"رحتُ أجوب الشوارع، لم أتفرّسْ في وجوه الناس فقد كنت مشغولاً عنهم بما أكابد من ضيقٍ في صدري لم أعرفْ كنهه، ولم أُفقْ من سَرَحاني إلاّ على صدمةٍ من كتف مسرعٍ كادت تُلقي بي على الأرض.. لم يعتذر الرجل. قال لي :"فتّحْ عيونك.. ليش نايم" لقطة الرجل المسرع هذا تدلل على عمق هاجس الراوية الذي اتخذ الآن صيغة الغيبوبة، كما يدلل على عدوانية الشارع المتمثلة بعابر السبيل وكأنه يخلو من التسامح. يزور الراوية صديقا ليتسقّط الأخبار. يسمع منه أنباءَ قيامِ مؤامرةٍ ولكنْ فشلت. كانت ردّة فعل ذلك الصديق :"الله يستر". العبارة رغم عفويّتها إلاّ أنها نامّة عن كوارث ماحقة، إذا قيست الأمور بسابقاتها. على إيقاع :"الله يستر" خرج الراوية من محلّ صديقه، وهاجسه هذه المرة واعٍ ومستوفز. راح يتفحّص وجوه الناس: "رأيتُ الخوف مرتسماً على الوجوه، أو هكذا تصوّرتُ". عن طريق التجربة و

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram