TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لم يعد هناك وقت

لم يعد هناك وقت

نشر في: 28 يونيو, 2014: 09:01 م

لم يعد هناك وقت طويل لمزيد من النقاش، حول من كان على حق ومن كان مخطئاً. الوقائع حسمت التردد. والبنادق تسبق جلسة البرلمان وترشيحات القوى السياسية، ونحن في ظل سباق بين الحل و"اللا حل"، بين ارهاب داعش وخلطة مسلحة تكفر بجدوى السياسة وتشكو اخطاء ١١ عاماً، وبقية من ايمان بممكنات الانقاذ، تحاول منع الاقتتال الاهلي، الذي سيكون هذه المرة انقاذا حقيقيا لداعش التي ظلت منبوذة محاصرة لسنوات.
لم يعد هناك وقت، والجميع يشعرون بالحرج، تحاصرنا توقيتات داعش الغامضة، وتوقيتات الدستور، وتوقيتات ارادات اقليمية ودولية. ومن محنة التوقيتات المتناقضة، تبلورت معظم المواقف الاخيرة، لاهثة ومتوجسة، ولذلك اختصر زعيم التيار الصدري بعبارات موجزة، ما تبقى من السياسة: حكومة تجدد الوجوه، مع حوار سريع وتنفيذ للمطالب يؤدي الى فصل بين داعش واهل المحافظات التي خرجت عن سيطرة الدولة، ويأتي باصلاحات نطالب بها منذ سنوات.
انعدام الوقت امر مألوف في مثل هذه المحن، والاحساس بالزمن شرط اساس للتدبير، فما يبدو ممكناً هذه اللحظة، قد يتعقد بعد ساعتين. وما كان ممكناً قبل شهر ما عاد متاحاً منذ اسبوع. وقد نتعرض الى سخرية فظيعة حين نحاول اعادة ترتيب رقعة الشطرنج بعد اسبوعين من الان، وهل كنا نتوقع غير المطالبة بتغيير قواعد اللعبة، بعد ان بدأ فريق السلطة يكتب قواعده المتعسفة، بمفرده، ودونما اكتراث بما سيجري؟
لم يعد هناك سوى ان نمتلك ارادة تصحيح فوري، او نقول للجمهور ان كل الدماء التي سالت ليست كافية، وان على الامهات والزوجات ان يتجهزن للمزيد من الفقد والدمع. فنحن امة اختبرت شجاعتها وسارت نحو المحرقة طوال عقود، لكننا لم نحاول ان نختبر بعد شجاعة صوغ القرارات الكبيرة التي توفر حزن الثكالى، وتكتفي بالمساحات الشاسعة التي احتلتها المدافن على خارطة البلاد المتموجة كما الكثبان التي تبتلع القوافل.
ان من اسوأ ما في الحروب، التجار الباحثون عن الفرص الغريبة. اولئك الذين فشلوا في تطوير مكاسبهم في زمن السلم، داخل الظروف الطبيعية، ويريدون ان يجربوا الحظ داخل ظرف غير طبيعي. هؤلاء ليسوا مجرد افراد، بل هم لوبي متشابك ومستعد لفعل كل شيء كي تتسع مديات الدماء القانية وتفشل جهود السلام، ويمكن ان تمتد اذرعهم لتتلاعب بكثير من المساحات التي غفلناها ونحن نركز على مابدا لنا قضية رئيسية.
بفضل تجار الحروب وحلفائهم المتشددين على طول الخط، لم نهتد للدرب. لاهم حسبوها صح، ولا هم قادوها الى نهاية راديكالية يتحدثون عنها. فشوشوا على كل شيء منذ ١٥٠ عاماً، منذ كان الاسلاف متعبين من قرون السبات والموت، حالمين بمجيء فورة تجديد تعيد وضعنا على خارطة العالم.
منذ ذلك اليوم سافرنا الى باريس وفيينا والقارات الجديدة، واقتبسنا الدساتير وتساجلنا حول شكل الحكم ونوع المجتمع، وهدمنا وشيدنا وارتقيناً حيناً، لكن التراكم الاصلاحي لم يحصل. وكل ما عرفناه هو البقاء طويلا في محطات عابرة غير حاسمة، اعادتنا الى مسالك ثانوية لا تؤدي لمكان، بل تركسنا في المتاهة.
هل حقاً ان كل ما تبقى اليوم من نضالات حقب عديدة، ومن أحلام المصلحين، شباب يطوقون رؤوسهم بعصائب حمراء وسوداء، ويتناحرون، كافرين بقرن ونصف من محاولات العودة الى العصر؟ وهل يريد اليائسون سوى جر القبيلة بالسلاسل، الى الجزء الميت من الزمان، بعد ان قيل لهم انه لا وجود للضوء، وان الامة تعبت وهي تبحث عن الشمس دون جدوى؟
ان امامنا ان نتأكد في ما تبقى من الوقت الضئيل، ان كانت لدينا بقية شجاعة لمواجهة هذه الاسئلة، او اننا اسوأ حالاً حتى من الشباب المتناحرين، تحت الرايات الحمراء والسوداء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عراقي

    كاتبنا الفاضل سرمد الطائي لا اعتقد اننا في أواخر المتاح لنا من الوقت لنتحرك ؟ اي وقت نقرر الانطلاق حتى ننجز امر عظيم ،هو الوقت المناسب . المشكلة واضح عدم وجود قرار للتحرك لدرجة اننا نمجد انتصارات لا ترقى حتى لهزائم النظام السابق.

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram