في خطوة متأخرة وإجبارية، طلب الرئيس الأميركي من الكونغرس، الموافقة على تخصيص نصف مليار دولار، لتدريب وتجهيز ما يصفه بالمعارضة المعتدلة في سوريا، والهدف المعلن هو مساعدة السوريين على الدفاع عن النفس، وإحلال الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتسهيل توفير الخدمات الأساسية، ومواجهة التهديد الإرهابي، وتسهيل الظروف للتسوية عن طريق التفاوض، مربط الفرس هنا هدف مواجهة الإرهاب وتسهيل التسوية، ما يعني إدراك واشنطن المتأخر لمخاطر اتساع تأثير متطرفي داعش في سوريا، وهو تأثير لم ولن يتوقف عند الحدود الجغرافية للدولة السورية، وللتأكيد على أن هذا الهدف هو أساس المبادرة، فإن هناك طلباً لمليار دولار أخرى، تُقدم للدول المجاورة لتعزز أمنها الداخلي والحدودي، وقدرتها على مواجهة تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها.
مبادرة أوباما تأكيد على قرار نهائي، بعدم الانخراط عملياً في حرب ضد إرهاب داعش في سوريا، وتعبير عن القبول باستمرار الأسد رئيساً يحتاج لمساعدة مواطنيه في التصدي للإرهاب الداعشي، وسنشهد خلال أيام تشكيل "صحوات عشائرية"، في استنساخ للتجربة العراقية في هذا المجال، وهي تجربة نجحت في كنس تنظيم القاعدة الإرهابي، على يد أبناء عشائر الأنبار، لكنها لم تستثمر كما يجب، وبالطبع ومن قبيل المناكفة، لم ترحب موسكو بقرار أوباما، رغم قناعتها أن واشنطن تدرك الخطر الذي تمثله المجموعات الإرهابية في سوريا وجوارها على الأمن الإقليمي والدولي، ويستغل صانع السياسة الروسي المبادرة، للدعوة مجدداً إلى جمع جهود الحكومة السورية والمعارضة في مواجهة خطر الإرهاب، تلبيةً متأخرةً لنداءات تبنتها قمة مجموعة الثماني قبل عام، ودعت فيها الحكومة والمعارضة إلى التوحد في محاربة الإرهاب.
التطور المطلوب أمريكياً في سوريا اليوم، هو توحد الجهود في مواجهة استراتيجية داعش، التي تخطت ما كانت تقوم به القاعدة من عمليات إرهابية انتحارية، تقض مضجع الأنظمة، إلى السيطرة على مساحات شاسعة من الأرض، وإقامة نظام متخلف قمعي، يتستر بالإسلام رغم أنه يشن حربه ضد المسلمين المعتدلين، وهي نجحت في سوريا بإلغاء دور الجيش الحر، بما هو الذراع المسلح لمعارضي الأسد، وتحجيم جبهة النصرة الوليد الآخر من رحم القاعدة، لأنها تواصل الخضوع للظواهري المختفي في كهوف تورا بورا، ذلك يعني أن الحرب في سوريا وعليها ستطول، إذ لم يعد القضاء على داعش سهلاً وميسوراً، وهذا هدف بالتأكيد يسعى له كثيرون، ويحتاج إلى أكثر من الحرب بالمال، التي يشنها أوباما المتخبط في سياساته من بيته الأبيض، دون إدراك أن ذراع داعش قد تطول لتصل إلى قلب بلاده.
كل هذه التطورات لم تمنع العبث الصبياني، السائد في صفوف قيادة المعارضة السورية، حيث ألغت قيادة الائتلاف الوطني، قرار أحمد طعمة رئيس الحكومة الموقتة بإقالة رئيس هيئة الأركان في الجيش السوري الحر والمجلس العسكري الأعلى، وتحويلهم إلى هيئة حكومية رقابية بتهم تتعلق بالفساد، بينما يتحضر أحمد الجربا للانتقال من موقعه الراهن، إلى موقعه الجديد زعيماً للصحوات العشائرية، التي ستكرس في واحد من تجلياتها الانقسام الطائفي في بلاد الشام، إضافة لإطالتها زمن الصراع المسلح، وربما وتنفيذاً لمشيئة البيت الأبيض حصره في حيز جغرافي مرسومة حدوده، ومنع انتقاله إلى الدول المتحالفة جذرياً مع واشنطن والمنفذة لأجنداتها.
هل قلنا إن لداعش وظيفة أخرى تتعدى حدود تنظيم ظلامي متطرف؟ التطورات القادمة تحمل الجواب.
حرب أوباما ضد داعش!
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2014: 09:01 م