اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كراهية تمهد للحرب

كراهية تمهد للحرب

نشر في: 28 يونيو, 2014: 09:01 م

أحد العرافين يقول: "نريد دينا يعيننا على الحياة، نحن قادرون على الذهاب إلى القبر بمفردنا". لعمري هي مقولة صدق من رجل يعي معنى الاديان في الحياة، تذكرت هذه وأنا أتصفح دفتراً قديما لي كنت دونت فيه قصة واقعية خلاصتها بأنه في سنوات التسعينات، أيام الحصار كان هناك مجموعة من طلاب الصف السادس الإعدادي، جلهم من أسر فقيرة، يدرسون في بيت زميل لهم والده ميسور الحال، طيب القلب، هاله (الوالد) منظر أحذية زملاء ابنه الممزقة، بفعل القدم والاستخدام الطويل فجلب ورقة وسجّل فيها أرقام الاحذية تلك، وفي بحر ساعة من الزمن اشترى لزملاء ابنه أجمعهم أحذية، كل على مقاسه. قد تبدو القصة طبيعيةً في مجتمع آخر، لكنها مختلفة اليوم لدينا فالرجل لم يسأل عن دين وقومية وطائفة زملاء ابنه ذلك لأنه غلّب مشاعره، وأنتصر لآدميته قبل أن ينظر لأي شيء آخر.
في ضوء وقائع كثيرة يُخطئ من يعتقد بأن قضية الوحشية وكراهية الغير تتعلق بعصابات داعش والجماعات التكفيرية في سوريا أو الموصل وحدها، لا أبداً، بل لنعترف بأنها حديث يومي يجري في مجالس كثيرة، داخل منازلنا وفي مدننا، يتسلمه اولادنا من فم الخطيب هذا والمتحدث ذاك، في المسجد وأمكنة أخرى وعبر مئات التسجيلات المصورة التي يتناقلونها عبر وسائط التواصل الحديثة. نحن نطعم أولادنا من حيث نعلم أو لا نعلم بغضاء الآخر وكراهية المخالفين لتصورنا عن الحياة، مثلما نطعمهم تبغيض الموسيقى ونبذ قيم الجمال ووجوب قهر الجسد باللطم والندب وقتل حشد العنادل في صوت الأنثى، حين نغرس في نفوسهم كراهية الدنيا ونحبب اليهم الموت. وما رأيناهُ وسمعناه في بعض اعترافات الارهابيين يؤكد ما نذهب اليه، فهم يقولون بان الشيخ الفلاني، وعبر شاشة الجزيرة والعربية قال بان الجهاد في العراق حق متيحٌ للشهادة ثم الجنة لا يخرج عن دائرة العبث التي يقوم بها البعض في عقول أبنائنا .
ومع افتراضنا، بأن صورة المرأة التي تظهر في أحد الكليبات (مسيحية كانت أو مسلمة) وهي تُغتصب من مجموعة مسلحة وسط أصوات في الشارع تهلل وتكبر، نقول: مع افتراضنا، بانها غير صحيحة، أو مفبركة إلكترونياً لكن الذاكرة الفوتوغرافية، الاستشراقية تمدنا بما هو أقبح من ذلك، ولا نبخس تأريخنا العربي (شرفاً ومنافحة) وهو الذي يفصح عن مثيلاتها أكثر وأكثر، وكلما بدت الصورة مؤلمة، دامية للقلب، ومقززةً، كريهةً تقفز إلى الذاكرة صورة (الشيخ، الامير، الزعيم، حامي الديار الغربية علي الحاتم وعشرات الخطباء والقوالين، المدافعين عن الشرف العربي) في أكثر من مكان على أرضنا العراقية والعربية، الذين يتجمع الناس حولهم في مناسبة للشرف أو لغيره.
بالأمس تناقلت المواقع الخبر الذي يقول بان الزعيم المصري عبد الفتاح السيسي أعلن عن رفع مادة التربية الدينية(الاسلامية) عن المناهج، وقبله كان أحد القادة اللبنانيين قد دعا إلى رفعها نهائيا عن كل مناهج التعليم في لبنان وهنالك أكثر من داعية ومفكر يقول بهذه، ذلك لأن طلابنا في مراحل التعليم كافة صاروا يغذَّون بصديد الطائفية على مقاعد الدرس، الأمر الذي بات يؤرق الجميع دون ان يلتفت اليه أحد. والقضية لا تُفهم أبداً على انها تجاوز على الشرع، أو تقليل من دين او إساءة لطائفة إنما درأ لخطر داهم عقول أولادنا، الذين راحوا ينقّبون في كتب التواريخ والسير ويقرأون الصفحات الوسخة منه تلك التي تتحدث مفاخِرةً بعدد السبايا والجواري والغلمان اللواتي والذين جلبهم الخليفة فاتح الروم البيزنطينية القسطنطينية، وهي تعدد الإماء وملكات اليمين اللواتي كن بحوزة الخليفة والوالي والشيخ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سعيد فرحان

    كانت الامثلة التي وردت في عمودك تخص جهة واحدة وكانت بالاسم(داعش ،سوريا،الموصل ،شاشات الجزيرة والعربية،علي الحاتم)لكن لم تذكر اي مثال للجهة الاخرى علماً ان لديهم مايشبه داعش الكثير ولديهم امراء حرب اكثر وبشكل علني مدعوم من الدولة ومن الاعلام الرسمي .فهل هو

  2. أبوهمس الأسدي

    اوكما تفضلت فالقنوات جميعها والمجالس والتجمعات .. جميعها لاتتحث بالقطيعة الأجتماعية التي حذر منها المثل ؟ بل جميعهم باتوا يتحدثون عن قطع الرقاب ستاذ طالب .. قديما وفي زمن الصفاء والسلام والتآخي الأجتماعي ؟ كان الكبار يرددون المثل المعروف (( لاتحجي بالكطع

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram