اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في انتظار ثلاثاء الخوف

في انتظار ثلاثاء الخوف

نشر في: 29 يونيو, 2014: 09:01 م

هذا المقال ينشر قبل يوم من انعقاد جلسة البرلمان ، واعني به يوم غد الثلاثاء الذي ربما ستقرر فيه الجهات الأمنية حظرا للتجوال لمعظم اهالي بغداد.. ولأننا نعيش عصر التكهنات وضرب الاخماس في الاسداس ، ومحاولة الالتفاف على سؤال يطرحه المواطن البسيط لماذا العطلة في بغداد فقط.. دون ان يعرف هذا المواطن المبتلى ما الذي سيحصل؟ .. قبل ايام خرج علينا السيد نوري المالكي محذرا من ان المطالبين بتأجيل جلسة البرلمان : "سيذهبون الى اثارة الاوضاع الامنية في بغداد"، حديث المالكي استدعى الى الذاكرة فيلم الراحل احمد زكي ارض الخوف ، ففي هذا الفليم المثير أفكارا تتأمل في مسألة إثارة الفزع .. والركون الى حالة من الاستسلام للقدر وتحويل البشر الى كائنات لا تعرف سوى كلمة "نعم" ، والاهم ان الفيلم يفسر لنا نحن المشاهدين كيف يبرر ناس طيبون تعسف السلطة.. كيف يسيرون كالعميان خلف ببغاوات السلطة ، يرددون كلاما خارج من فوهة أفواه مرتعشة ..
‎ارض الخوف يروي عملية تحويل الانسان الى كائن يخاف من المستقبل المجهول، وانت كمشاهد تسأل هل تغير احمد زكي ،ام ان قوى متسلطة سلبت منه حرية الاختيار، ولم يعد امامه سوى السير في " الطريق المرسوم " من وجهة نظر "الجهات العليا"؟
‎اذن مطلوب منك ان تصبح رقما كما في فيلم احمد زكي ، وأنت تخاف من "يوم الثلاثاء".. تريد منك الدولة بكل اجهزتها ان تتحول الى مواطن خائف بامتياز، فالخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات ، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهددهم في الشوارع.
تجربة الأعوام الماضية أثبتت حقائق كثيرة أهمها أن مسؤولينا لا يملكون ما يقدمونه لمستقبل البلاد ، حتى لو راهنوا على مخاوف الناس واحتياجهم الدائم للأمن، فهم يملكون فقط القدرة على التخريب والتدمير والتعطيل والعرقلة، وسرقة المال العام وإفساد الذمم.
ما يجري هذه الايام من تخويف الناس وترويعهم مرة بحجة الخوف من الانفلات الأمني ومرة بشعارات عن المظلومية والحرص على الطائفة، نظرة سريعة على المشهد الراهن تكشف بجلاء أن البعض يريد ان يكسر شوكة الآخرين من خلال تنفيذ مخطط لترويض الجميع على الاذعان للأمر الواقع، لتبدأ بعدها مرحلة التربص بالجميع من خلال سياسات متعمدة تستهدف الإجهاز على أي مطالب للإصلاح. والأمر ذاته حدث فيما يخص الأمن إذ جرى إذلال المواطنين أمنيا وأحيطوا بحزام مرعب من جرائم القتل والخطف وفقا لنظرية الانفلات الامني في حالة غياب القيادة الحكيمة، بما لم يترك مجالا لأحد لكي يفكر في موضوع الخدمات والتنمية والعدالة الاجتماعية، وبمعنى آخر يحاول البعض أن يجعلوا من الاستقرار ثمنا للحصول على المكاسب والاستفراد في السلطة.
سيشعر السادة المسؤولين بالأمان في ظل حظر التجول المفترض يوم الثلاثاء، لأن الحظر يعني قرار بمنع الاختيار، والسير حسب تعليمات جهات عليا، ترى نفسها خبيرة في برمجة المواطنين.. ‎ ولا حق في الاختيار، وغير مسموح الاعتراض على اي إجراء امني، ليس من حقك ان تسأل عن اسباب الحظر؟ فانت تعيش، في ظل مؤسسات أمنية تحب الرقابة وتسعى لالغاء كل إمكانية للتفكير، فالدولة ترى الخير في حظر التجوال ، وهذا يكفي.
لماذا أصبح الخوف واقعا يريدون منا ان نعيش في ظله؟ مطلوب منا أن نخاف.. مواطن خائف بامتياز تتلفت حولك، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. لماذا يرددون على اسماعنا جمل من عينة : احذر ان تمد يديك لجارك لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك أصحاب نظرية حظر التجوال إلى الخوف من أقرب الناس إليك. ويصبح مصير البلاد معلقا برضا رجل واحد وكأننا لا نريد أن نغادر عصر "القائد الأوحد" عصر الهبات والمنح والعطايا وأيضا العفو الخاص!
عندما يخرج العراقي اليوم من بيته يضع يده على قلبه وهو يقول "اللهم نجنا مما تخبئ لنا الأيام" فهذا المخلوق الخائف والبائس طبع على أنه لا يستحق شيئا في الحياة حتى السؤال : لماذا حظر التجوال يوم الثلاثاء؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو عباس

    الاستاذ العزيز علي لدي سؤال يبحث عن اجابة قد اجدها لديك لاني معجب بك وبما تكتب .السؤال لو ان جيفارا وهوشي منة ومعه الفيت كونغ وكل الثوار والحركات الثورية لو جاءت في هذا الزمان الذي هو اميريكيا بأمتياز فهل يمكن لنا نطلق عليهم لقب أرهابيون .وهل ان زمان الثو

يحدث الآن

"الأبنية متدهورة".. سجون العراق تعاني اكتظاظاً يفوق 300% من الطاقة الاستيعابية

اجتماع هام لديكو لحسم صفقة جديدة لبرشلونة

العمليات المشتركة تكشف تفاصيل هجوم "الفصائل" على قاعدة عين الأسد

السجن 15 سنة بحق مدان أطلق النار على مفرزة أمنية

آفة تتفاقم.. الداخلية تعلن القبض على (31) متسولاً في بغداد

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram