وصلت الى فرنسا عام 1966 بعد إنهاء دراستي في الاتحاد السوفييتي , وكنت أخطط للالتحاق في قسم الدراسات العليا بجامعة باريس , واستطعت الوصول وبمساعدة المرحوم وليد الجادر , طالب الدراسات العليا آنذاك في جامعة باريس ( البروفيسور الدكتور فيما بعد في قسم الآث
وصلت الى فرنسا عام 1966 بعد إنهاء دراستي في الاتحاد السوفييتي , وكنت أخطط للالتحاق في قسم الدراسات العليا بجامعة باريس , واستطعت الوصول وبمساعدة المرحوم وليد الجادر , طالب الدراسات العليا آنذاك في جامعة باريس ( البروفيسور الدكتور فيما بعد في قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة بغداد ) الى قسم اللغة الروسية وآدابها في تلك الجامعة , وقابلت رئيس القسم وعرضت عليه وثائقي وتحدثت معه حول رغبتي بالدراسة في قسم الدراسات العليا بجامعة باريس.
وقد رحب رئيس القسم بي وقابلني بحفاوة وود وقال لي انه يوافق وبكل سرور على قبولي والإشراف على أطروحتي , وعندما سألني عن الموضوع الذي أرغب الكتابة حوله , أخبرته باني أود ان أكتب عن الأديب الروسي تشيخوف , فقال لي رأسا انه متخصص بأدب تولستوي وبالتالي لا يستطيع ان يكون مشرفاً علمياً على أطروحتي , وانه سيتصل الآن هاتفيا بأستاذة متخصصة في أدب تشيخوف ويطلب منها ان تكون المشرفة العلمية على أطروحتي , وفعلا اتصل أمامي هاتفيا واخبرني ان الأستاذة تنتظرني غدا في بيتها , وأعطاني العنوان الكامل وكيفية الوصول اليها . وهكذا ذهبت اليها في اليوم التالي كما اتفق معها , واستقبلتني في الموعد المحدد , واطلعت على وثائقي الرسمية , وبدأت تسألني بعض الأسئلة عن تشيخوف وخصائص أدبه وإبداعه , وكنت أجاوب قدر معرفتي في تلك المرحلة طبعا , وطرحت علي السؤال الآتي – ( هل اطلعت على مقالة تشيخوف في فرنسا ؟ ) , فأجبتها – نعم , وهي منشورة في كتاب صدر عام 1960 في موسكو ضمن سلسلة ( التراث الأدبي ) وذلك بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد تشيخوف , فقالت لي – حدثني عن مضمونها , فبدأت بالحديث عن تلك المقالة وعدد صفحاتها التقريبية وكيف أنها تناولت ظهور نتاجات تشيخوف في فرنسا باللغة الفرنسية , ثم توسع هذه الإصدارات وكيف أصبح تشيخوف مشهورا في فرنسا وكيف بدأ مسرحيوها بالتعامل مع مسرحه , وكيف تقبله النقد الأدبي في الصحف والمجلات الفرنسية, وقلت لها ان هناك صورا عديدة منشورة هناك حول مسرحيات تشيخوف وعروضها على خشبة المسارح المختلفة في فرنسا والممثلين الذين قاموا بأداء الأدوار في تلك المسرحيات , وقد استرسلت بالتفصيل عن هذه المقالة لأني كنت قد قرأتها قبل فترة قصيرة ولازلت أتذكر تفاصيلها , وقد اقتنعت الأستاذة بإجابتي فعلا وسألتني – ( من هو كاتب تلك المقالة ؟ ) , فقلت لها انه كاتب فرنسي لا أتذكر اسمه و لقبه الآن , فضحكت مقهقهة من كل قلبها وقالت , انها هي كاتبة تلك المقالة , وكان جوابها هذا مفاجأة غير متوقعة لي بتاتا طبعا , فبدأت اعتذر لأني لم اكن أعرف ذلك وكلي خجل بل و حتى ارتباك من هذا الموقف المحرج جدا , فقالت لي – بالعكس , انها أعجبت جدا بجوابي لأني كنت صادقا بالإجابة والتي جاءت بتلقائية وعفوية وبساطة , وهكذا وافقت على قبولي للدراسة وبإشرافها العلمي. انها البروفيسورة المرحومة صوفي لافيت ابرز اسم متخصص في فرنسا آنذاك بأدب تشيخوف ومؤلفة عدة كتب فرنسية عنه , ومنها الكتاب المشهور ( تشيخوف بقلمه ) والصادر ضمن سلسلة معروفة جدا في فرنسا بهذه التسمية حول معظم أدباء العالم الغربي المشهورين تتضمن مختارات منتقاة من نتاجاتهم وأقوالهم ورسائلهم , وترسم بالتالي صورة قلمية متكاملة عنهم . تذكرت كل هذه التفاصيل الآن, اي بعد مرور حوالي نصف قرن من الزمان , وذلك عندما اطلعت على كتاب صادر في موسكو عن تشيخوف عام 2011 وجدت في احدى فصوله تفصيلات تتناول الدراسات والمقالات عن تشيخوف في مختلف بلدان العالم خارج روسيا , وبحثت طبعا هناك وقبل كل شيء عن العراق فلم أعثر على اي ذكر او اشارة له , وتألمت وتأسفت لذلك ولكني قلت بيني وبين نفسي – نحن مذنبون ايضا في ذلك ,اذ اننا لا نتحدث عن انفسنا أمام الآخرين ولا عن نشاطاتنا العلمية والثقافية ومساهماتنا في دراسة الآداب الأجنبية على الرغم من تواضعها, ولا نصدر دوريات او كتبا تتناول ذلك بلغات أجنبية ونوزعها على المكتبات العامة في بلدان العالم , ولا ننظم حتى مواقع اليكترونية تتحدث عن ذلك , ولا نشارك في مؤتمرات علمية تدرس الظواهر الإبداعية في المحافل الدولية , ولا نقيم حوارات مع الأوساط الثقافية العالمية ,ووو....الخ , وواصلت تقليب صفحات ذلك الكتاب واذا بي أرى فقرة كاملة عن تشيخوف في فرنسا , وبدأت بالقراءة , وقد تبين انهم يتذكرون البروفيسورة المرحومة صوفي لافيت هنا , ويشيرون بالذات الى مقالتها المذكورة تلك ( تشيخوف في فرنسا ), ويؤكدون على كونها لا زالت تمثل قمة اهتمام القراء الروس بالنسبة لهذا الموضوع رغم مرور اكثر من نصف قرن على نشرها, لأنها وضعت الأسس الصحيحة والثابتة لمسيرة تلك الدراسات اللاحقة حول هذا الموضوع في فرنسا . وأظن أننا نستطيع ايضا ان نقوم بذلك في العراق رغم كل الفوارق بيننا وبين فرنسا بالطبع , اذ يوجد في الوقت الحاضر ثلاثة تدريسيين في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد كتبوا أطاريح الماجستير حول تشيخوف باقتراحي وباشرافي العلمي وهم حسب تواريخ انجازهم لتلك الأطاريح كل من الأستاذ المساعد خلف طاهر الموسوي وكانت أطروحته بعنوان – ( مسرح تشيخوف في العراق ) , والدكتورة هديل اسماعيل وكانت أطروحتها بعنوان – ( تشيخوف في النقد الأدبي العربي ) , والدكتور تحسين رزاق عزيز وكانت أطروحته بعنوان – ( قصص تشيخوف المبكرة في الترجمات العربية ) , واقترح على قسم اللغة الروسية تشكيل لجنة من هؤلاء التدريسيين ويمكن ان يشارك فيها اي تدريسي آخر يرغب بذلك , للعمل على إعداد دليل بيبلوغرافي شامل و متكامل مع مختصرات لمضامين لتلك الكتب والبحوث والأطاريح والمقالات ومسرحيات تشيخوف في مسارح العراق وتعليقات توضيحية وهوامش وملاحظات حول كل نقطة وفقرة فيه وإصداره بكتاب مستقل و بعنوان - ( تشيخوف في العراق ) وبلغتين – العربية من اليمين والروسية من اليسار, ويصدر باسم قسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد , وانا متأكد من ان هذا العمل الأرشيفي العلمي - في حالة إنجازه – سيكون خطوة رائدة في العراق والعالم العربي في مجال الدراسات العربية – الروسية اولا وسيدخل ضمن المصادر الأساسية لدراسات الأدب المقارن ثانيا , اضافة الى قيمته العلمية وأهميته الثقافية والاعتبارية في الأوساط العربية والروسية بالنسبة لقسم اللغة الروسية وكلية اللغات وجامعة بغداد طبعا باعتباره إنجازا علميا , وانا أحلم بذلك وأتمنى ان يتقبل القسم حلمي هذا ويحققه , وعندها يمكن ان نقدمه الى المراكز الروسية المعنية كافة و سنباهي به الأمم ! ومن نافل القول ان أشير هنا الى استعدادي التام والكامل للتعاون مع اللجنة المشرفة على إنجاز هذا الكتاب وبأية صيغة من صيغ التعاون التي يراها قسم اللغة الروسية في كلية اللغات الحبيبة.