في آخر أيامه وقبل وفاته متأثرا بمرض الزهايمر حدث المعلم المتقاعد ابو حازم الأبناء والاحفاد والمعارف، بانه يرغب بتوجيه برقية الى الرئيس العراقي لتفادي الغزو الاميركي وانقاذ البلاد من منزلق خطير ، اسرة المرحوم شعرت بالحرج الشديد من سلوك الاب ، ففرضت عليه الاقامة الجبرية بالمنزل ، ومراقبة تحركاته ، ولاسيما انه في ايامه الاخيرة،أخذ يتحدث بالشأن السياسي في كل مكان ، ويتهم المسؤولين من كبيرهم الى صغيرهم بانهم سيسلمون العراق للمحتلين .
في ساعات التخلص من الرقابة العائلية يتوجه ابو حازم الى مقهى الحي ، ويعقد حلقة نقاشية لبحث الاوضاع والمخاطر ، فيتشعب الحديث ويبدي كل شخص رأيه بتحشيد القوات في منطقة الخليج ، وتجمع الآراء على ان القيادة العراقية قادرة على رد العدوان ، وليس باستطاعة اميركا وقوات التحالف خوض حرب اسقاط النظام ، هذا الرأي الصادر من المقهى يتغير حين يدخل اصحابه الى بيوتهم ،وابو حازم وبما تبقى له من امكانيات عقلية رصد هذا التذبذب في الاراء ، فطلب من الجميع الاستماع الى نص برقيته الموجهة الى الرئيس :" من ابناء الشعب الى الرئيس ان كنت قادرا على مواجهة جيوش العالم فنحن جنودك في الميدان ، وان كنت عاجزا عن المواجهة"... واثناء انشغال الرجل بقراءة البرقية لم يجد اثرا للمستمعين باستثناء صاحب المقهى الذي يطلب من ابي حازم مغادرة المكان وفي تلك اللحظة يستخدم الهاتف الارضي ليطلب من احد ابناء الاسرة الاسراع لاصطحاب الرجل الى منزله ، لان رجال الامن قد يعتقلوه فهؤلاء لا يفرقون بين العاقل والمجنون في الامور المتعلقة بالأمن الوطني.
مع تسارع الاحداث وبدء العد التنازلي لموعد تنفيذ العمليات العسكرية لاسقاط النظام، تدهورت الحالة الصحية لابي حازم ، فكان يتخذ من بيتونة سطح الدار منصة لالقاء خطاباته ، وقراءة البرقية الموجهة الى الرئيس ، حتى اشتكى الجيران من تصرفاته ، فاضطر الابن الاكبر حازم الى زيارة مقر الفرقة الحزبية ولقاء المسؤولين الحزبيين ليخبرهم بحالة ابيه ، ودعاهم الى تفهم وضعه الصحي بوصفه مصابا بمرض الزهايمر ولا يعي ما يقول.
واصل الرجل القاء الخطابات من سطح الدار، وفي احد الايام اثناء مرور عمال البلدية استوقفهم ابو حازم، وطلب منهم الاستماع الى بيان مهم ، وعندما سمع العمال ومسؤولهم عبارات لم يألفها الشارع العراقي في ذلك الوقت ، فروا هاربين ، وبعد ساعة وصل أشخاص يرتدون الزي الزيتوني للقبض على ابي حازم ، وتخلص الرجل من الاعتقال بعد ان عرضت زوجته تقريرا طبيا يؤكد اصابته بالجنون .
"خذوا الحكمة من افواه المجانين" ربما يصح هذا القول في اماكن تشهد الاضطراب على الصعد كافة ، وابو حازم قبل الغزو الاميركي غادر الحياة ، وقصة برقيته وخطاباته استذكرها اهالي الحي ، ومنهم من قال ان الرجل كان يستشرف المستقبل ، ويحذر من العواقب ، فذهبت كلماته ادراج الرياح ، ولم يلتفت لها احد لانها صادرة من شخص مجنون.
برقية الى الرئيس
[post-views]
نشر في: 1 يوليو, 2014: 09:01 م