تنفس بنيامين نتنياهو الصعداء، حين تم العثور على جثث المخطوفين الإسرائيليين الثلاثة، فذلك يضع حداً لحالة الاستنفار العسكري المُكلف من جهة، ويمنع خاطفيهم من المساومة عليهم، لو ظلّوا أحياء كما حصل مع شاليط، الذي كلف الإفراج عنه ثمناً باهظاً دفعته إسرائيل، صحيح أنه كان سيُعد انتصاراً لو تم العثور عليهم أحياء، وأعيدوا مكللين بالغار إلى أسرهم، وكانت حكومة نتنياهو ستسجل الكثير من النقاط لصالحها، لكن الصحيح أيضاً أنها لن تترك الحدث بدون استغلال، ولعل غاراتها على قطاع غزة، التي لن يرفضها الغرب أو يدينها، أول الغيث الذي لانعرف متى وكيف ينهمر.
مهم أن نلاحظ أن العملية، إن كان منفذوها من الفلسطينيين، كشفت ضعف القبضة الأمنية الإسرائيلية، وقدرتها على المنع وليس القمع، كما كشفت أن أي تنسيق أمني مع الفلسطينيين، لن يكون قادراً على منع أي مغامر أو غاضب أو "مقاوم"، من القيام بعملية لا يتوقع أحد مكانها أو توقيتها، وكان الفشل واضحاً في عدم قدرة الأمن الإسرائيلي على منع العملية، أو العثور على المختطفين أحياء، ويبدو مثيراً للسخرية اتهام اليمين المتطرف، لنتنياهو الأقل تطرفاً، بالمسؤولية عن تحفيز الفلسطينيين على القيام بعملية كهذه، تأتي نتيجة لموافقته على إجراء صفقة تبادل مع حماس، وفي الوقت عينه يبدو مثيراً للسخرية، تهديد حماس لإسرائيل بأنها ستفتح عليها أبواب جهنم، إذا قامت بأي تصعيد.
بينما فُجع المجتمع الإسرائيلي بمقتل المُختطفين، وهم ليسوا جنوداً، فإن الحكومة الإسرائيلية كانت تفضل هذا السيناريو، على تحولهم إلى مفقودين أو أسرى، يتحتم خوض مفاوضات مع خاطفيهم، ستكون لها انعكاسات سلبية عليها، وبديهي أن القادة وجدوها فرصة للتعبير عن الحزن والأسى والألم، لكن المؤكد أن ذلك لا يعكس مشاعرهم الحقيقية، لرغبتهم جميعاً في توظيف الحادثة، لتحقيق مكاسب سياسية.
ثمة رسالة أراد الخاطفون إن كانوا فلسطينيين، إيصالها لحكومة نتنياهو وسلطة عباس في آن معاً، مفادها بأن هناك من هو مستعد لدفع أثمان مرتفعة، في سبيل تحرير الأسرى، الذين تماطل حكومة نتنياهو في الإفراج عنهم، بينما تلجأ السلطة الفلسطينية لمفاوضات يصح وصفها بالعبثية لبلوغ هذا الهدف، مع أن المطلوب الإفراج عنهم، لا يشكلون رقماً يُعتد به، قياساً بالأعداد الهائلة من الأسرى، وكثير منهم مُحتجز إدارياً، بمعنى أن حريته مُقيدة دون محاكمة، فإذا كان الخاطفون لجأوا لقتل المختطفين، فإن المؤكد أن ذلك لم يكن هدفهم.
اتهام حماس بالعملية دليل عجز، وهي لو كانت اختطفتهم، لما قتلتهم بهذه الصورة، لتخسر ورقة تفاوض على الأسرى، وشعبية مضافة بين الفلسطينيين، يطرح ذلك سؤالاً عن إمكانية أن تدبر حكومة نتنياهو عملاً كهذا، لإفشال المصالحة الفلسطينية بين رام الله وغزة، ما يدفع لهذا السؤال، بوادر عملية جديدة لعزل قطاع غزة، ما يعرقل الخطوات العملية للمصالحة، ربما كان بعض المتحمسين الحماسيين، هم من ارتكب العملية في خطوة مُرتجلة، واضطروا لقتلهم حين اكتشاف عدم قدرتهم على نقلهم لمكان آمن، "وليس في الضفة مثل هذا المكان"، دون حساب لردة الفعل الإسرائيلية، التي قد تصل حد احتلال القطاع من جديد، أو على الأقل تمنح بعض التبرير لأصوات المتطرفين، التي انطلقت داعية لزيادة وتيرة الاستيطان، خصوصاً في مدينة القدس المحتلة.
سيكون صعباً الجزم بمن قام بالعملية أو كان خلفها، وسيكون علينا انتظار ما ستسفر عنه، ليتبين المستفيد منها، وقد بات واضحاً أنه لن يكون غير إسرائيل، التي ربما ارتكبتها، أو تستغل غباء وحماقة من ارتكبها.
لمصلحة من قتل المُختطفين؟
[post-views]
نشر في: 2 يوليو, 2014: 09:01 م