على مدى السنوات الأربع الماضية، كان الوطن سفينة تبحر في موج متلاطم من الصراعات الطائفية والدعوات العدوانية تحاصرها المفخخات وصيحات الانتقام من كل صوب. وكان طاقمها البحري طائفيا بامتياز لا أحد يعرف فيهم معنى قوانين الملاحة ولا يدرك معنى التقلبات الجوية وسرعة الريح ولا حتى اتجاهها. اُختير افراده وفقا لمحاصصة مذهبية او عرقية فارتفعت لغة القمع والتهميش والتنكيل وغابت ابسط اعراف الديمقراطية. لذلك تسللت روح العداء والانتقام الى ركاب السفينة فانقسموا الى كتل وجماعات متناحرة يبغض بعضها بعضا وسط صيحات الشحن الطائفي. وكان ربان السفينة في واد وما يحدث داخل السفينة في واد آخر. والربان كما تعلمون هو المسؤول التنفيذي المباشر ورأس السلطة العامة اثناء الرحلة البحرية حسب قوانين الملاحة ودساتيرها.
وكما في "تايتانيك"، صاح العقلاء القلائل الذي كان يراقبون مسيرتها ان تنبهوا فهناك جبل من جليد ان لم تتداركوه فسيحطمها. رفض الربان الامتثال لصيحة العقل ولم يحسب غير انها مؤامرة عليه تهدف لابعاده عن دفة القيادةومنافعها. كانت صيحات اتباع الربان من الطاقم البحري وحتى من أنصاره من الركاب تشجعه على عدم الاستماع للتحذيرات. العقلاء يصيحون والله سنغرق جميعا وتتحطم آخر خشبة في السفينة. وأصحاب الربان يغنون له: البحر كويس يا ريس. ولا يهمك "فوت بيها وعالزلم خليها". وفات بها نشوانا غير مبال بالسفينة ومن فيها الى ان صحت الدنيا على صدمة ضياع ثلث العراق بين عشية وضحاها.
ومرة أخرى مثل "تايتانيك" عمت الفوضى وتلاطمت الرؤوس وسقط من سقط وهرب بقارب النجاة من هرب ولم يبق سوى ولد الخايبة لا حول لهم ولا قوة أمام هجوم بربري وحشي مدمر لكل ما له صلة بالحياة والحضارة.
الربان مصر على ان الذي حدث خدعة ومؤامرة وان السفينة بخير ولا تحتاج غير رقعة او عدة رقع وستبحر "مرفوعة" الرأس من جديد. رقعوها فعلا وعادت لترسو على الجرف منهكة مرتجفة. كان الناس في انتظار الجلسة الأولى لمجهزي السفينة المنهكة. جلس المجهزون يتقدمهم في الصف الامامي نفس الربان السابق الذي فشل في انقاذها. جنابه مصر على ان يقود السفينة المرقعة من جديد وكأن شيئا لم يكن وبراءة "الأطفال" في عينيه. أراد المجهزون اختيار من يرأسهم كخطوة لا بد منها نحو اختيار ربان جديد.
اقسموا أولا على انهم لن يتركوا أحدا من الشعب مهما كان لونه او لغته او دينه او مذهبه او قوميته الا ويركبوه في سفينتهم صوب بر الأمان. بعد ذلك بدقيقة او دقيقتين نهض"الخوشية" يهددون بالانتقام من "الخونة" و "العملاء" وقطع ألسن من يخالفهم. اسم والله والطبك. هاي اول برو وشحال تاليها؟
بعد نصف ساعة تبخر أغلب الحاضرين فسقطت اول رقعة من جسد السفينة وما عادت تصلح للإبحار مترا واحدا. والعقلاء ما زال ضميرهم ينادي: وما الحل؟
الحل قريب من العيون لكن الطائفية اعمت البصائر والقلوب. الدم يسيل ومعاول الهدم تقترب من آخر شريان للوطن لتجهز عليه لا سمح الله. ويحهم، لا بل تبا لهؤلاء المجهزين القدامى والجدد الذين شلهم العجز وطمع المناصب عن ان ينطقوا بكلمة حق واحدة:
أحيلوا السفينة العتيقة على التقاعد فما عاد ينفعها الترقيع ولا التلميع. آتونا بأخرى جديدة غير مرقّعة لا مكان بين قبطانها للجهلة والمتخلفين والفاشلين من خريجي المحاصصة المذهبية والطائفية. ابعدوا وجوههم عنا فإنها ما عادت ترينا غير البؤس والهم والنكد واشباح سود تنذر بضياع الوطن الى الأبد.
"تايتانيك" العراق
[post-views]
نشر في: 2 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
والله كان يوم الثلاثاء يوم مظلم ويقبض النفس وارى العراق في تلك الوجوه باسوء حالاته والياس واضح على جميع تلك الوجوه القبيحة ورؤيتهم مرعبة ومخيفه وارى فبها لاسامح الله ضياع عرافنا البلد يتمزق وكان همهم من سيحكم من وارجع واقول ان هؤلاء مستهترين ولايستطيع اح
عراقي
يقال دعابتا ان في زمن الرئيس السابق صدام حسين طلب إيضاح الفرق بين المصيبة والطركاعة وكان التفسير ان المصيبة هو تحطم طائرة بها الرئيس والطركاعة من الحطام يخرج الرئيس سالما. اعتقد جميعنا قريبا سوف نعتذر لربان السفينة؟