في عمودين سابقين تناولت جملة من العوامل النفسية التي تعمل على تهيئة الأجواء للحرب. بعضها مرتبط بسايكولوجية الجماهير وبعض بطبيعة الحاكم المستبد. هنا أحاول ان أبين الدور الذي يمكن لعلم النفس ان يلعبه في اقتلاع جذور الحرب.
عندما تكلمنا عن الجماهير المحتشدة أو الهائجة قلنا ان مستواها العقلي يطابق مستوى عقل الإنسان البدائي. بتعبير آخر إنها تخضع إلى سيطرة الجانب غير الواعي، أو اللا شعوري، من العقل. ومن هنا تجد ان أصوات العقلاء وما يكتبونه أو ينادون به لا تجد أذنا صاغية عند الأغلبية الهائجة. هذا الجانب غير الواعي من العقل يحمل ركاما من العقد والمشكلات البدائية التي قد تمتد جذورها إلى عصر ما قبل التاريخ، وتغذيها غرائز ونوازع هدامة تسعى إلى نوع من الحياة يختلف عن تلك التي يحياها الإنسان اليوم. هذه النوازع تزداد شراسة في حالة كبتها وكذلك عند إطلاق العنان لها أو تحفيزها. الحل الصحيح هو ترويضها والتسامي بها. لكن كيف يتحقق التسامي والمجتمع يقوده نظام يملأ العقل الجمعي بالكراهة والعداوة والقسوة؟
الدولة التي تحرص على سلامة شعبها وأمنه، ووحدته أيضا، يمكن ان تجنب شعبها النكبات والكوارث اذا عرفت كيف تخلق نظاما تربويا سليما يستطيع مواجهة القوى الغرائزية عند الناس وتوجيهها توجيها صحيحا نحو البناء والتطور. إنها مهمة تحرير الجماهير من سيطرة الانفعالات البدائية والهمجية ليحل محلها التفكير العلمي الذي لا يتأثر ولا يعترف بالتقاليد البالية ولا بأسطورة المجد الزائف والتفوق القومي أو العرقي أو الطائفي. وتلك هي أسلحة الدمار النفسي الشامل التي لا يمكن ان يتحقق السلم الاجتماعي أو يستدام إلا بنزعها من عقول الناس.
لا يمكن إغفال دور الحكام الذين يمكنهم ان يوجهوا القوى الكامنة في شعوبهم نحو الحرب أو السلم. فالحاكم المستبد يسعى دائما لتوجيه الناس في بلده صوب الهدم بدل البناء لأنه هو بالأساس خاضع لسيطرة كثير من العقد ومركبات النقص التي اشرنا إليها في الحلقة (2) من سلسلة الأعمدة هذه. وهنا تكمن المشكلة الكبرى لأنه صاحب القرار ومستبد في الوقت نفسه. المتخصصون لا يطرحون علاجا معينا سوى تخليص البشرية من شرهم عن طريق تنحيتهم. أما الحل الأسلم، فبرأيهم، لا بد ان يكون وقائيا.
من الوسائل الوقائية يمكن الأخذ باقتراح الدكتور إدوارد جلوفر الذي يقضي بضرورة "عمل تحليل نفسي للزعماء حتى يمكنهم أن يكشفوا عن القوى التي تعمل في نفوسهم ظاهرة أو من وراء ستار، وحتى يستطيعوا كشف المركبات أو العقد النفسية الضارة والتحرر منها".
أما من نائب يخاف الله في العراق المبتلى، ليأخذ هذا المقترح ويطرحه، في الجلسة البرلمانية القادمة، شرطا على من ينوي الترشح للرئاسة؟
عن علم النفس والحرب (الأخيرة): افحصوهم نفسياً
[post-views]
نشر في: 4 يوليو, 2014: 09:01 م