صديقتي شديدة الخشية على زوجها وأولادها من ظروف العراق الأمنية خاصة وأنها فقدت ابناً في انفجار واختطف ابنها الآخر وتمكنت بالكاد من استعادته لقاء مبلغ أعادها وعائلتها إلى نقطة الصفر ..كلما التقيت هذه الصديقة تقول لي ان العراق لم يعد مكانا ملائما للعيش وان مغادرته هي الحل السليم ..
مرت سنوات ومازالت صديقتي شديدة الخشية على أولادها ومازالت الظروف الأمنية سيئة ومازالت تدعو إلى مغادرة العراق دون ان تغادره ..قلت لها : ارحلي ..ألا تجدين الحل في الرحيل ..فقالت بانكسار : بماذا سأتدفأ هناك ؟..من سيزورني وكيف سأعيش طقوسي الجميلة ؟...هناك ، لن اسمع أصوات الانفجارات بالتأكيد ولن افكر في انقطاع الكهرباء أو فشل أولادي دراسيا لكني لن أشم رائحة بلدي ..لن أعيش الهم العراقي مع العراقيين وأشعر بهم فأخفف عمن يتألم منهم وأساعد من يستحق المساعدة ..سأكون غريبة وحتى إحساسي بهم سيحمل طعما ولونا مختلفين ..لن أتصدق عليهم بمشاعر ثلجية مفرغة من الدفء العراقي..
لاتتحدثي عن الرحيل إذن ..قلت لها فانتفضت قائلة : ولماذا لايرحلون هم ؟..لماذا نترك بلدنا لمن لايشعر بقيمته الحقيقية ويبيعه يوميا بأرخص الأثمان للغرباء ..لماذا يقرر مصيرنا من لايحمل هوية عراقية تحمل نبض القلب العراقي وليس مجرد خربشات قلم ..جميعهم غرباء عنا ..عن همومنا ومتاعبنا وآلامنا وأحزاننا ..العراق بالنسبة لهم مكاسب يغرفون منها فلايكتفون وبعد ان ينتهوا من التهام موائد مؤامراتهم ومكائدهم واتفاقياتهم يتركون لنا نفاياتها لتلوث حياتنا بمتاعب جديدة ومخاوف اشد واقسى ..
نحلم بحياة بسيطة آمنة فيقدمون لنا حياة ملطخة بالدم والدمار..نطالبهم بحقوقنا من الخدمات المتوفرة لأبسط الشعوب فيخلقون لنا أزمات جديدة تنعكس بالتأكيد على الخدمات فتغيب الوقود أو تلتهب أسعارها وتصبح الكهرباء مطلبا أساسيا اهم من تشكيل الحكومة لمقاومة الحر واستغلال أصحاب المولدات ..ندعوهم إلى التروي والتفاهم واستيعاب بعضهم البعض لأننا نسيج واحد متماسك لا سبيل إلى تمزيقه بسهولة فيستخدمون الأسلحة وسيلة للتفاهم ويغذون الحقد بالدم المسفوح من أجساد عراقية مشكلتها الوحيدة أنها تصدق تصريحات الساسة وقنواتهم وتسير وراءهم بأعين معصوبة ..
مصيبة العراقيين انهم يعيشون انتظارا دائما ..سيسقط الحكم الدكتاتوري ..سيتم تشكيل حكومة ديمقراطية ..سننتخب من جديد لتغيير الوجوه التي لم تقدم لنا شيئا ..سيتم تشكيل حكومة ( تفاهمية ) تقوم على الشراكة والوحدة الوطنية ..وبينما ننتظر كل ذلك ..تتعاقب الأزمات ليعيش الصبر العراقي أسوأ اختباراته ...غادر بعضنا مناطقه ومنازله. أصبحوا نازحين ومهجرين ..تركنا حقوقنا في الحياة للساسة ليتلاعبوا بها دون جدوى ..حملنا مفاهيم جديدة تحمل الكثير من العدائية ورفض الآخر ..ماذا يريدون منا اكثر ؟..ان نغادر ونترك العراق لهم ليمعنوا في تمزيقه أكثر فأكثر ..أبدا ..لن نرحل ..سنحتمل العراق عليلا يئن تحت وطأة الحقد والمصالح لأننا ذقنا خيراته وعشنا في أحضانه بوئام ولابد ان نعترف بجميله ..وليرحل كل من استبدل رائحة التراب العراقي بالدم وليغادر كل من يعتبر العراق بقرة حلوباً تمنح خيرها لغيرها ..ليرحلوا وسنبقى نحن لنحاول التغيير ..ونعيشه بدلاً من ممارسة ( لعنة ) الانتظار المملّة ..
ارحلوا ...أنتم
[post-views]
نشر في: 4 يوليو, 2014: 09:01 م