بعد ثماني جلسات نيابية فشلت في انتخاب رئيس جديد للبنان، بات مؤكداً أن الانتظار سيطول، طالما أصر المتنافسان على الموقع، سمير جعجع وميشيل عون على موقفهما، رغم أن الواقع، وهما يُدركانه جيداً، يؤكد أن لاحظ لأحدهما بأن يكون سيد قصر بعبدا، ما يعني أن أزمة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، لن تجد طريقها للحل قبل سنة على الأقل، طالما أن حكومة تمام سلام، التي حصلت على الثقة بشكل ملفت، تقوم بمهام الرئاسة كما ينص الدستور، ما يُحيل مسألة الفراغ إلى موضوع شكلي قابل للتجاوز.
يقول البعض إن على اللبنانيين، انتظار أن يعيد الرئيس السوري بشار الأسد بسط سيطرته على سوريا، وعندها فقط سيُعلن حزب الله تخليه عن الجنرال عون، والوقوف مع مرشح بديل، يرجح أن يكون الزغرتاوي سليمان فرنجيه، المعروف بصلاته الوثيقة مع الرئيس الأسد، فيما يشكل استمراراً للعلاقات العائلية، الموروثة عن جده سليمان، الذي شغل منصب الرئاسة، بدعم من الأسد الأب، باعتبار ذلك تعبيراً عن "وطنيته وعروبته" وهو وارث الزعامة عن شقيقه حميد، بعد أن كان مجرد ظل لتلك الشخصية الوطنية المعروفة.
أكثر الأوراق أهمية بيد فرنجيه الحفيد، للسكن في قصر بعبدا، هي علاقته بالأسد الابن، وكنتيجة حتمية لهذه العلاقة، يحظى بالدعم الكامل من حزب الله، ناور ببراعة فلم يعلن رغبته بالترشح، واثقاً من عدم نجاح عون، وبانتظار أن يعلن يأسه من إمكانية وصوله إلى الرئاسة، خصوصاً وأن تأييد حزب الله لن يستمر إلى ما لانهاية، كرمى لعين الجنرال، الذي يناور فيطرح مقترحات جديدة صعبة التنفيذ، فيطالب بانتخاب رئيس الجمهورية، مباشرة من الشعب وعلى مرحلتين ، الأولى يختار المسيحيون مرشحين اثنين، وفي الثانية يقرر اللبنانيون جميعاً من يكون الرئيس، ويبدو ذلك أقرب إلى المستحيل، في ظل حروب مذهبية تجتاح المنطقة، وتترك أثرها في الساحة اللبنانية.
اقتراح عون لو قيض له التنفيذ، سيكون انقلاباً على اتفاق الطائف الذي أخذ قوة الدستور، وتاريخياً كان هذا الاتفاق نتيجة فرار عون ولجوئه إلى فرنسا، إثر إطاحة حكومة العسكريين التي كان يترأسها، واحتلال الجيش السوري لمقرها في القصر الجمهوري، وإذا كان حزب الله لزم الصمت حيال مقترحات عون الانقلابية، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري، سرب عبر مقربين انتقاده لها، كما انتقدها فرقاء آخرون محسوبون أصدقاء لدمشق وحلفاء لها، كما انتقدها الطرف الآخر في المعادلة السياسية اللبنانية، باعتبار تزامنها مع تحركات في المنطقة، تستهدف بناء كيانات جديدة على أسس دينية وطائفية وإثنية، شبيهة بالدولة الإسرائيلية، ومبررة لوجودها.
يؤشر البعض إلى تزامن اقتراحات الجنرال، مع إعلان "دولة الخرافة"، وليسمح لي الزميل علي حسين باستعارة هذا الوصف المُعبّر وهو له بالأصل، وما سيتبع ذلك من حروب ومواجهات مذهبية، تستعر في المنطقة برمّتها ولا تستثني أحداً، ويظن هؤلاء، والظن هنا لا يقع في باب الإثم، أن عون يراهن جدياً على نجاح المخطط المفترض لتقسيم دول المنطقة، وأنه يؤيد هذا التوجه انتقاماً من رافضي توليه منصب الرئاسة، بغض النظر إن كان ذلك سيسفر عن تقسيم وطن الأرز، أو تغيير نظامه السياسي، القائم على المحاصصة باعتبار أنها ظالمة للمسيحيين.
كان معروفاً أن كل رئيس للبنان جاء بتوافقات إقليمية، انحصرت فترة برضى دمشق، ولم يتغير من هذا الحال غير دخول لاعبين جدد مؤثرين وفاعلين، يراهن فرنجية الحفيد أنهم سيجدون فيه حلاً للمشكلة، وخروجاً من المأزق، ولن يكون ذلك ممكناً إلاّ بانتصار حليفه الأساسي، ونقصد بذلك بشار الأسد.
لبنان وفرنجيه الثاني
[post-views]
نشر في: 4 يوليو, 2014: 09:01 م