نحن، ( في الهند )، تقول مريم كريم ــ أهلوت Mariam Karim-Ahlawat ، أمة كثيرة اللغات، و لدينا معرفة في الأقل بلغتين : لغة أم و لغة تعلّمنا بها في المدرسة و الكلية، و التي غالباً ما تكون مختلفةً عن اللغة الأم. و هذه اللغة في الغالب هي الانكليزية. و كل ل
نحن، ( في الهند )، تقول مريم كريم ــ أهلوت Mariam Karim-Ahlawat ، أمة كثيرة اللغات، و لدينا معرفة في الأقل بلغتين : لغة أم و لغة تعلّمنا بها في المدرسة و الكلية، و التي غالباً ما تكون مختلفةً عن اللغة الأم. و هذه اللغة في الغالب هي الانكليزية. و كل لغة تتعلمها لها إدراكاتها أو حساسياتها و مصطلحها الخاص. كما أنها تمتلك سجلاتها، و أنظمة قيَمها، و تميّزاتها الطبقية و مستويات المقبول و غير المقبول لديها. و كل لغة نعرفها تجعلنا حساسين على نحوٍ مختلف تجاه أشياء مختلفة، و تطوّر فينا شخصيات مختلفة ذات إدراكات مختلفة.
و في كل مرة نتحول إلى لغة أخرى، نتغير بدقة إلى شخص آخر. كما تتبدل إيماءاتنا و تعابير وجوهنا وفقاً لذلك. فاللغة ليست مجرد كلمات و جمل، إنها أيضاً وقفات، و تشديد، و تنغيم، و إيقاع، و سكتات؛ و الاستخدام الملائم لهذه في الجمل و الكلمات هو الذي يخلق معنى ما نقول، و ينقل الفروق الدقيقة.
و في ترجمة النصوص، تكون جوانب اللغة غير اللفظية non-verbal مخبَّأة إلى أن يصل النص إلى القارئ. لكن جعل النص يصل إلى القارئ بطريقة يفسّر بها هذا القارئ العلامات اللفظية لإحداث المعنى نفسه هو عمل المترجم. و على مترجم النصوص الأدبية خاصةً أن يكون واعياً بشدة للشخصيات المختلفة التي طوَّرها بلغات مختلفة. فلحظة الترجمة هي تلك اللحظة التي تكون فيها شخصيتا المترجم باللغتين المختلفتين في حوار إحداهما مع الأخرى. إنها لحظة التعابير بين شخصيتي الشخص نفسه. و آنذاك فقط يمكن للجدل الأبدي المتعلق بـ " الأمين faithful " و " الجميل " أن يُحل في الترجمة، لأنه عندئذٍ يتم تجاوزه، و نصل إلى مستوى آخر من الفهم بشأن الترجمات. و لم يعد الأمين و الجميل يعارض أحدهما الآخر بل لم يعودا لاعبين في هذا المجال، أيضاً.
و بمعرفتنا لغةً أخرى، أهلية أو أجنبية، و بالتالي تطوير شخصية بديلة، فإننا نخلق فضاءً لفهم الآخر. و الترجمة، و الأدب المقارن، و الكتابة جميعاً تطرح بثبات مسألة العلاقات بالآخر.
و إذا أخذنا كحقيقةٍ أولية أن كل المجتمعات مستندة على قيَم إنسانية عالمية، فإن ذلك يُصبح أمراً محدِّداً للغاية. فنضيِّق عندئذٍ أنفسنا و نختار نصوصاً و مواضيع نشعر أنها تقدم تلك القيَم العالمية التي نفهمها كقيَمنا أيضاً. في حالةٍ كهذه نغلق الأبواب على فهمنا للآخرين. و لا يستطيع الآخرون أن يكونوا آخرين ما لم تكن لهم آخرية Otherness. فإذا لم نُقر بآخرية الآخرين، إذا فكّرنا بأننا نعرف حقائقهم سابقاً، نغلق عندئذٍ عقولنا و لا نخرج للبحث عن آخريتهم. في حالةً كهذه في الترجمة تجدنا نبحث فقط عن صور مرآتية لأنفسنا و لا نتجاوز أنفسنا أو النصوص. فما هي القيمة التي ستكون للترجمة حين لا نريد أن نعرف لماذا يمثّل شخصٌ ما، أو شيء ما، آخرَ أو يكونه ؟
و قد كان هناك، في نظرية الترجمة، في وقت مضى، بحث عن مرادفات نحوية ( المنطق و القواعد في الجملة ) و لفظية ( تنقل المعنى نفسه ). أما اليوم، و خاصةً في الشعر و النصوص الأدبية، و اعترافاً بالمترجم كنوع من خالق عَبر transcreator النص، تُعد الإيقاعات ، و الوقفات، و التنغيمات الآنفة الذكر ذات قيمة أيضاً. كما أن نقل المصطلح في شكله الأصلي يُغني النص.
و يلاحظ بعض القراء أن فعل القراءة ذاته بلغة ثانية، دعك من كتابته بها أو ترجمته، هو فعل ترجمة. فالترجمة و التفسير يصبحان مترادفين. و الجانب المهم و المثير جداً لهذا العمل بين اللغات هو إمكانية التغييرات بين الشخصيات، الذي يمكن أن يكون ممارسة مسرحية و دراماتيكية تساعد على فهم عوالم مماثلة لكن مختلفة.
كما أن الترجمة و العمل بين اللغات يقومان بإنجاز الوظيفة السفارية ambassadorial المتمثلة في خلق الاعتناق و الفهم بين الثقافات، لكن فقط حين نكون مستعدين لإقرار و تقييم الاختلافات، ( الآخرية Otherness ) من أجل تقبلها حسبما هي عليه، و لرؤية كيف أن هذه الاختلافات ذاتها تُغني و تقوّي المجتمعات.
عن: The Hindu