ليس توحدا ضد شخص، ولا مناكفة سياسية، فقد وصلنا ذروة الخوف المشترك، وسط اعتى انقسام اجتماعي قبل ان يكون سياسيا، لكن الخبر الوحيد الجيد، ان الطرفين يريدان استبدال المفاوض، عسى ان نحصل على مفاوضات ممكنة.
ليس بيان نوري المالكي المنشور الجمعة بأمر جديد، فهذه "فلسفته" للحكم. نتحدث عنها منذ سنوات ونحذر من نتائجها، ونتحمل الشتم والتشكيك. لكن ابرز احداث الاسبوع كان يتعلق بخطاب لاسامة النجيفي، وبيان او اكثر لمقتدى الصدر، فكلاهما يعتبران طرفاً قوياً لا يمكن تجاهله، لا داخل طائفته ولا خارجها، الا انهما لم يتحدثا عن القوة، بل عن ضرورة البدء بتصميم التنازلات، عسى ان يتحول الحوار المستحيل، الى حوار ممكن.
كلاهما تحدثا عن انسحاب المالكي وتعهدا بتوفير لحظة انسحاب تخفف الغصة والاسى على زعيم دولة القانون. النجيفي باعلانه الانسحاب قال للمالكي: تعال نفسح المجال لتغيير قد يفتح الباب امام تهدئة. والصدر قال له: كنا ننوي حرمان حزبك من المنصب، ونصوغ تحالفاتنا برسم تغيير كامل، لكن تعال ندرك جسامة المحنة ونحفظ لحزبك حق ان يترأس مجلس الوزراء. خطوة منا، واخرى منك.
لحظة الشعور بالمسؤولية هذه ليست جديدة، فقد كانت حاضرة تزخر بالقلق منذ صيف ٢٠١٢، اذ اجتمع المعارضون لسياسات السلطان في اربيل، ولم يطلبوا منه التنحي مباشرة، بل منحوه شهرا كي يرد على طلبات الحوار، التي تدور حول تعهدات الاصلاح السياسي. وكانوا لحظتها على قدر المسؤولية، وكان هو يغلق هواتفه ويهزأ من نبوءات انهيار شامل يطال الجميع.
لم يعد هناك وقت لذكريات ليالي الفصل والوصل، لكن الخبر الجيد ان ابن الموصل وابن النجف، يتفقان هذه اللحظة وسط اعتى مستويات الانقسام، على ان في وسعنا التوحد حول مسعى، يتم بموجبه استبدال المفاوض، لانقاذ ما يمكن من المفاوضات. تنحية مفاوض بلا مهارات تفاوضية، والمجيء بمفاوض يعرف كيف يعمل مع فريق، وقد يؤدي ذلك الى تحويل الحوار الذي صار مستحيلا، الى حوار ممكن.
الحوار سبق ان صار مستحيلا لان بنادق "الخليفة" سبقت محاولات الاصلاح السياسي، وبدأ صليل سيوفه قبل ٤ ايام وحسب من المصادقة على نتائج الاقتراع، حيث كنا نأمل اطلاقا رسميا لمفاوضات تشكيل الحكومة، تقوم بفعل انقاذي. لكن العقلاء في مثل هذه التوقيتات الغامضة، يواصلون مسعاهم لخلق حوار ممكن بدلا عن الحوار المستحيل، ويفتتحون هذه الممكنات بصوغ التنازل المحسوب بدقة، لكي يكتبوا الرسالة المطلوبة، الى من اصر على اللعب بالنار، او من استشعر ان خطر اللهيب لن يتوقف عند اي محطة.
النجيفي والصدر قاما بمحو كل خطابات المالكي، لانهما اعلنا ان الانقسام لن تجري معالجته بالعناد، وان التشدد في المواقف مصيره سلة المهلات، وانه لا يوجد قوي في هذه اللحظة، بل كلنا اسرى الضعف، وبحاجة الى ان نبحث عن سبب توحد، في لجّة انفصام العرى التقليدية. وليست الوحدة هنا ايغالاً رومانسياً داخل نشيد وطني، بل محاولة ان نكون مسؤولين امام دماء الشباب، وقوافل الارامل والايتام، وكل الوحوش التي تستعد للانقضاض على فريسة انهكتها الحرب.
مشهد "الخليفة" وهو يرتقي السلم، في جامع الموصل الكبير، مرتدياً سواد العباسيين البغدادي، يجب ان يجري محوه. وألف من خطابات المالكي لن تكون سوى مساعدة لارتقاء المنبر الاسود مرة تلو الاخرى. اما محو هذه الصورة فقد يصبح ممكنا عبر مواقف من قبيل تلك التي عبر عنها الصدر والنجيفي، والجيد ان اهم الاطراف تتفهم هذا النوع من المواقف، وتمهد لانجاح مسعاها، لكن على الجميع ان يحسبوا منذ الان، التنازلات الكبرى التي لابد ان نبدأ بتصورها فوراً، كي ننجح في العثور على سبب للتوحد، في لجّة اخس انقساماتنا عبر قرن.
الصدر والنجيفي في لجّة الانقسام
[post-views]
نشر في: 5 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
farid mohamad
الأخ سرمد المحترم..أصبحت اللعبة السياسية فجة وصعبت المراسل ولم يعد الترقيع العبثي يخدم العراق كما نتمنى وللأسف ضاع العراق على أيدي من ليس هم بمستوى الوعي الوطني الملح. وتبين لي يا أخ سرمد أن هذه الجموع الهادرةمن جماهير المرجعية وأحزاب الشيعية بالتحديد ضعي