ثمة إرهاصات بانطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، كنتيجة منطقية ومطلوبة، للرد على التعنت الصهيوني وانسداد أي أفق لتسوية سلمية، تُلبي بعض طموحات الشعب الفلسطيني من حيث المبدأ، أما دافعها المباشر ومفجرها، فهو الجريمة المرتكبة بحق فتى مقدسي تم إحراقه حياً، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين المقدسيين، الصامدين في مدينتهم رغم كل محاولات تهجيرهم منها وتهويدها، وبين قوات الاحتلال والمستوطنين، وانتقلت العدوى إلى باقي الأرض الفلسطينية على شكل حملات تضامن، قد تتحول إلى مواجهة شاملة، تعيد الاهتمام إلى القضية الفلسطينية، التي تراجعت كثيراً نتيجة تركيز الاهتمام على تسعير نار الحروب الطائفية، التي تهدد بأكل الأخضر واليابس في سوريا والعراق اليوم، والمرشحة للانتقال إلى كل بقعة في جغرافيا المنطقة.
ما جرى في القدس يطرح سؤالاً عن إمكانية اندلاع الانتفاضة الثالثة، وهل أن الظروف الموضوعية مهيأة لها، وبحيث تكون عملاً إيجابياً منتجاً ومثمراً، أم أن الواقع سيحول ذلك إلى مجرد هبة جماهيرية، تؤدي دوراً في تبريد عواطف الناس، ثم تنخمد مخلفة المزيد من خيبات الأمل، التي تتراكم على الأرض الفلسطينية، بفعل استمرار سياسات الاحتلال في ابتلاع الأرض بالمستوطنات، وعمليات القمع الشرسة في الضفة بما تتميز به من قمع وإذلال، والغارات الهمجية على القطاع، وتزايد وتائر تهويد المدينة المقدسة، وتدنيس الأقصى المستمر تمهيداً لهدمه وإقامة الهيكل على أنقاضه، فيما تتعثر كل محاولة لاستئناف مفاوضات "جديّة" في ظل أزمة مالية خانقة، تخلق واقعاً اجتماعياً مأزوماً يحيل الحياة إلى جحيم.
عمّق الانقسام الناجم عن انقلاب حماس على السلطة، كل سلبيات المجتمع الفلسطيني، ومرّ الشعب بفترة تميزت بعجز السلطة، ومعها منظمة التحرير، عن التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام، فيما واصلت الفصائل والتنظيمات تثاؤبها، وراوحت حماس بين توجهين كبّلا أي قدرة لها سلماً أو حرباً، بينما واصلت السلطة التنسيق الأمني، وتهديد كل من يفكر بانتفاضة ثالثة تطيح ما تبقى من عملية التفاوض "العبثية"، لكن كل ذلك لا يعني أن ما يجري تحت السطح، من تفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية، لن يكون قادراً في لحظة لانعرف موعدها، على قلب الطاولة على الاحتلال والسلطة، واستعادة المجتمع الفلسطيني لقدرة أنيابه وأظافره على نخر بنيان الاحتلال، وهدم كل "منجزاته"، بما فيها إن لم نقل أولها المستوطنات.
يؤشر الواقع المرير إلى أن ما يجري في الأرض الفلسطينية، كفيل بإشعال فتيل انتفاضة جديدة شاملة، غير أنه يؤشر أيضاً إلى أن الانقسام قد فعل فعله، وأن حديث المصالحة لم يمنع طرفي الصراع من تبادل الاتهامات، بالتآمر والضلوع في العدوان، والتشارك مع إسرائيل في ضرب منجزات السلطة، مع أن كلا الطرفين يرفض التصعيد ويتجنبه، فالسلطة فوجئت بعملية الخليل وأحداث القدس، وحماس التي تعرف أنها معزولة، وأن أي حرب جديدة لن تسفر عن تغيير واقع أن كل عواصم المنطقة غير معنية بذلك، لانشغالها بهمومها الوجودية، خشية الولوج إلى مستقبل مجهول تفضل عليه واقعها الراهن، ويبدو أن على المراهنين على انتفاضة ثالثة تُغير كل هذا الواقع، انتظار فرصة أخرى لاندلاعها، وهي مطلوبة وطنياً، لكنها غير ممكنة إلا إن حدثت معجزه.
الانتفاضة بين الممكن والواقع
[post-views]
نشر في: 7 يوليو, 2014: 09:01 م