في الأفلام والروايات القديمة ، نرى ونقرأ عن سيدات ارستقراطيات يحملن على الدوام مناديل معطرة خشية الإصابة بالإغماء لمجرد رؤية مشهد تراجيدي او سماع كلمة مؤذية لمشاعرهن الرقيقة ..نفس السيدات الارستقراطيات كن يستمتعن بحضور مباريات المصارعة المميتة بين الرجال حسب التقاليد الرومانية والاغريقية او المصارعة بين الرجال والوحوش الكاسرة او مصارعة الثيران الاسبانية التي تنتهي غالبا بمشهد دموي يقتل فيه احد المتصارعين او يثخن بالجراح دون ان يغمى على النساء او يستخدمن مناديلهن المعطرة لكفكفة دموعهن على الضحايا ...مثل هذا التناقض لمسناه بوضوح لدى النظام السابق الذي كانت عيناه تدمعان مواساة لمن فقدوا ابناءهم في الحروب بينما يدفعهم اليها ويتلذذ بمتابعة مطاحن البشر الدموية ، ويحدث الان لدى العديدين ممن ينادون بالدفاع عن الانسانية ويرفعون شعارات السلام والحب والوئام بين أبناء البشر بينما لا يرف لهم جفن او تدمع لهم عين وهم يقودون العراقيين نحو مطاحن بشرية ولا تهز مشاعرهم مشاهد القتل والدمار وتظل مناديلهم جافة بانتظار لحظة تكون الدموع فيها وسيلة لكسب أصوات او تحقيق مصالح شخصية ..
ليتنا كنا مثل اليابانيين ..انهم لا يختلفون عن الجميع بشيء الا باستغلال افضل ما لديهم وهو العلم في بناء بلدهم وانفسهم ومستقبل أجيالهم ..عالمنا اليوم مليء بالشقاء ونشرات الأخبار متخمة بأخبار الخراب والدمار والقتل والغزو والاحتلال والتهام الدول لبعضها البعض اكثر من اخبار الاختراعات العلمية النافعة والمشاريع الثقافية والفكرية ..ومشكلتنا بدأت منذ ارتكب قابيل اول جريمة للانسان في التاريخ ثم جاء احفاده ليلطخوا بأيديهم صفحة الحياة والسلام بمؤامرات القتل والتشويه والتشريد ..وحين اكتشف الإنسان جوهرة العقل التي يمتلكها وظهرت مواهبه في تسخير الاشياء لصالحه استخدم افضل مالديه –وأعني العلم –ليلحق بنفسه أسوأ ما يصيبه ، واعني الحرب – فصنع القنابل الذرية والهيدروجينية والنووية والمدافع والقاذفات والصواريخ ليلحق بنفسه وبأخيه الإنسان الهلاك والدمار والفناء وإبادة الأرض وما عليها من إنسان وحيوان ونبات ..والطريف في الأمر انهم يتنافسون في الدعوة لنشر السلام في الأرض ونزع الأسلحة النووية من الدول التي تحاول ان تحمي نفسها بها وذلك باستخدام الوسيلة المدمرة ذاتها – الحرب – فأي سلام هذا الذي يولد من رحم الحرب ؟..
اليوم ، يفترض ان تعقد جلسة البرلمان التي ستحدد اختيار رئيس البرلمان الجديد ونائبيه وسنرى بعدها من كان فعلا يدعو للسلام ونبذ الحرب وتمزيق العراق ، ومن سيستخدم نفس طريقة السيدات الارستقراطيات في التباكي على مصير العراق وأهله بينما تحمل كلماته الف معنى مبطناً فهناك بين المجتمعين من سيسعى الى حصاد مكاسب جديدة وهناك من سيدق طبول الحرب على اعتبار انها الحل الحاسم لكل القضايا العالقة وهناك ايضا من سيرى الحل في تفتيت وحدة العراق وتقاسم أراضيه وخيراته ومائه وسمائه ..ترى ، هل سيكون بينهم من يضع العقل فوق مرتبة العنف والسلام فوق مرتبة القتل ليصنع بدايات جديدة لعراق لا يعيد التاريخ فيه نفسه ..سنأمل الا تنتهي الجلسة كسابقتها وان يستخدم المجتمعون وسائل حضارية للتفاهم بدلا من فنونهم القتالية والكلامية وان يخفوا مناديلهم فلا وقت للتباكي والأجدر ان يبحثوا عن حل للازمة.
لا وقت للتباكي
[post-views]
نشر في: 7 يوليو, 2014: 09:01 م