في رسالة مفتوحة وجهها الى الشعب العراقي قال مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان، امس الثلاثاء، ان بقاء العراق بلداً موحدا، في هذه المرحلة الدقيقة، سيظل مرهوناً بتأمين مصالح مكوناته، ومعافاة الحياة السياسية، وتكريس شرعية السلطات، معتبراً ان تمسك رئيس
في رسالة مفتوحة وجهها الى الشعب العراقي
قال مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان، امس الثلاثاء، ان بقاء العراق بلداً موحدا، في هذه المرحلة الدقيقة، سيظل مرهوناً بتأمين مصالح مكوناته، ومعافاة الحياة السياسية، وتكريس شرعية السلطات، معتبراً ان تمسك رئيس الحكومة المنتهية ولايته، بنهجه في ادارة البلاد، وإصراره على الترشح لرئاسة مجلس الوزراء، رغم الاعتراض الوطني الواسع، هو خطوة سلبية جدا في هذا الاطار.
وفي "رسالة مفتوحة الى الشعب العراقي" تلقت "المدى برس" نسخة منها، قال بارزاني "نؤكد اليوم ايضاً، ونحن نجتاز مرحلة دقيقة من مراحل تطور العراق الجديد، إن بقاء العراق رهن بتأمين مصالح مكوناته، والاستجابة لتطلعاتها المشروعة".
وأضاف "يتعذر تحقيق ذلك دون استكمال بناء أسس الدولة المدنية الديمقراطية، وإقامة مؤسساتها الدستورية، وتكريس شرعية سلطاتها والحفاظ على استقلاليتها، بمعزل عن أية تشوهاتٍ تُلحق بها".
وذكر رئيس اقليم كردستان ان مثل هذه الشرعية "تستوجب وضع الآليات التي تحول دون الانفراد بالسلطة، أو التغّول بالاعتماد عليها، أو حرفها نحو التسلط والدكتاتورية، واخراجها من المسارات التي يفرضها النظام الديمقراطي الاتحادي التداولي".
وقال في رسالته التي دعا فيها القوى الوطنية الى بلورة مبادرة تستجيب لحراجة الظرف الحالي، ان إصلاح الأمور "يتطلب معافاة الحياة السياسية، بإخراج العملية السياسية من مجرى التحاصص الطائفي وإثارة النعرات المذهبية الذميمة، وتعبئتها وتحويل ولاءاتها، فوق اعتبارات الانحياز الوطني، وقيم المواطنة الحرة".
وفيما يلي نص الرسالة:
رسالة مفتوحة الى الشعب العراقي وقواه الوطنية
تتسع، فيما يُشبِه الاستهداف المشبوه، الحملة الجائرة ضد الشعب الكردستاني وقيادته. ومحاولة تحميله مسؤولية الانهيارات المؤسفة التي تعرضت لها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية العراقية، وأدت الى استباحة مدن وقصبات عراقية غالية على كل مواطنة ومواطن عراقي، من قبل قطعان داعش الإرهابية وقوىً مشبوهة أخرى.
ولا يتوقف الاستهداف والتعريض عند هذه القضية، بل بات كما لو انه منصة إضافية لتشويه جميع مواقف شعبنا، وإنكار ما بذله في مختلف المراحل التاريخية، وما يزال، من جهود وتضحيات لترسيخ الأخوة العربية الكردية وتحقيق الديمقراطية للعراق باسره، والحفاظ على لحمة نسيج المجتمع العراقي، وصياغة الشعارات والسياسات والمواقف التي تشكل الأساس المتين لهذه الوحدة الوطنية، على أساس من الشراكة الحقيقية في الوطن، ووفقا لقيم ومبادئ النظام الديمقراطي.
ويجري اليوم، في سابقة هي الأخطر، تغذية حملة كراهية قومية "شوفينية "، تستند الى تشويه الوقائع، وإظهارها عكس ما هي عليه، وبناء جدارٍ من "الانفصال "بين القوميتين المتآخيتين، والمكونات العراقية، لتخدم اغراضاً سياسية ومصالح فئوية ضيقة، لمن كان المسبب لقيادة العراق من فشلٍ الى فشل، ومن أزمة الى أزمة اشد وقعاً، لينتهي ذلك في نهاية المطاف الى هذا القاع من الانحدار والهزيمة.
والنغمة النشاز "الانفصال، وتقسيم العراق "، التي طالما استخدمتها الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة ، وهي نغمة أثيرة لدى كل طاغية متغطرس، وحاكم فاسد معزول عن شعبه ومغيَّب عن التاريخ ودروسه، يجري الآن بنشاط محمومٍ تسويقها بين الأوساط العربية في العراق وخارجه، ودغدغة مشاعرها، وجرها الى مواقع الضلالة السياسية، والإسهام في إفساد البيئة الوطنية المشتركة، وتصديع الثوابت التي لا يمكن دون الحفاظ عليها، الإبقاء على الوشائج الوطنية التاريخية بين العراقيين والمحافظة على وحدة البلاد التي يدعونها.
ومن المؤسف أن هذه الحملة التي تُكرس لها ماكنة الدولة وأجهزتها وأموالها والموالون لحاكمها الفاشل، تريد ان تلقي بهذا الفشل وما ترتب عليه من عواقب وخيمة على الكرد واقليم كردستان. وتلخيصها بنوايا إقامة الدولة الكردية. ليس هذا فحسب، بل اعتبار سقوط نينوى وصلاح الدين وديالى، وقصبات أخرى، انما هي "مؤامرة "شارك فيها الاقليم، لتحقيق هدفهم في الاستيلاء على المناطق التي استقطعها النظام الدكتاتوري السابق في اطار سياسة التعريب والتبعيث، ونص الدستور العراقي على اعادتها، بالاستناد الى عملية دستورية كاملة، وفي حقبة زمنية تنتهي عام ٢٠٠٧.! وهذا ما طالبنا به طوال السنوات الماضية، دون جدوى.
واذ نتجاوز استعراض تفاصيل ما جرى في العاشر من الشهر الجاري ، ونجاح داعش وحلفائها في استباحة ثلث الأراضي العراقية، وما حاولناه للحيلولة دون ذلك ، فهي صارت معروفة للجميع، نتوقف عند الحملة التشهيرية حول ما نبيته ل "تقسيم العراق"، وما نريده لشعبنا الكردي في اطار حق تقرير المصير.
اولاً : لم نتردد يوما، في مختلف مراحل الكفاح المشترك مع سائر القوى الوطنية العراقية ضد الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، في التأكيد على حق تقرير المصير. ولم يكن مفهوم تقرير المصير غائباً عن البرامج المبرمة مع المعارضة، وفي مقدمتها الأحزاب والحركات الشيعية، كما ان مفهوم هذا الحق، جرى التعبير عنه بوضوح، بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق، وفي ديباجة الدستور، في اطار "عراق ديمقراطي اتحادي، وشراكة وطنية حقيقية " .
ثانياً : لقد استطعنا بكفاحنا وتضحياتنا انتزاع حقنا وان كان "منقوصاً "في ظل حكم صدام حسين، مجسداً في اقليم كردستان، الذي تمتع "باستقلال شبه كامل "عن المركز. وكان هذا الإقليم حاضنة لكل الأحزاب والحركات المعارضة للنظام الدكتاتوري، حيث وضع تحت تصرفها ما لديه من إمكانات وأوجه دعم.
ثالثاً : بعد سقوط الدكتاتورية، في عام ٢٠٠٣ بادرنا "باختيارنا "ورغبة منا بالمشاركة الفعالة في رسم ملامح العراق الجديد، بالتخلي عما كنا فيه من "شبه استقلال "والانخراط في العملية السياسية، والمشاركة في صياغة مفاهيمها وهيكليتها، قدر ما نستطيع. وقبلنا بـ "التسويات "والحلول الوسطية، ثقة منا بشركائنا الذين تقاسمنا معهم ويلات النظام السابق. ووجدنا في الدستور الذي توافقنا عليه، اداة لمعالجة ما نراه "حقوقاً "لنا ولغيرنا. وشاركنا بنشاط في جميع الاستحقاقات الانتخابية وفي الاستفتاء على الدستور. ولم نتخذ ما يتعارض مع الدستور من خطوات او تدابير مخالفة له، مع اننا كنا نستطيع فرض "أمر واقع "على ما نراه حقاً واستحقاقاً دستوريا، في تلك المرحلة حيث لم يكن البعض قادراً على مواجهة ذلك .! لكننا التزمنا الصبر واعتمدنا الدستور كحكم وفيصل .
وهذا كله خير دليل على نوايانا وسويتنا السياسية والوطنية، وحرصنا على إنجاح العملية السياسية، وتكريس النظام الديمقراطي الاتحادي، واعادة بناء دولة مؤسسات ومواطنة حرة متساوية . وقد رأينا ان نجاح العملية السياسية الديمقراطية، وتطبيق الدستور "على علاته ونواقصه "يجسد مرحلة مقبولة من مفهومنا لتقرير المصير.
رابعاً : لكن ما واجهناه من عنتٍ ومجافاةٍ وانكارٍ وتعالٍ، منذ تولي السيد نوري المالكي السلطة، وبعد تمكينه من بسط سلطته الفردية في الولاية الثانية، وتجاوزه الدستور والشراكة والتوافق الوطني، ونزوعه الى احتكار الدولة والهيمنة على مقدراتها، والانحدار بالبلاد الى متاهات الأزمات المستدامة، والخرق الفاضح للدستور، وضعنا في مسارٍ آخر يتطلب إعادة الاعتبار للاستحقاقات الدستورية والتوافقات التي تعاهدنا عليها.
لقد أكدنا منذ البداية ودائماً، أننا ملتزمون بالعيش المشترك في العراق الجديد، طالما حرص الجميع على ان يكون عراقاً ديمقراطياً اتحادياً تداوليا، وإن يجري فيه الانصياع للدستور واحترام مبادئه وجوهره، وحماية المكونات العراقية والاستجابة لحقوقها وتحقيق المساواة فيما بينها. والابتعاد عن اية ممارسة تقود الى الانفراد بالسلطة لأي كان، وحرفها عن مسارها الديمقراطي، واعادة البلاد الى طريق التسلط والاستبداد والدكتاتورية.
وقلنا، وهذا ما اكدنا عليه علناً، اننا لسنا مستعدين تحت أي ظرفٍ أن نقبل بليِّ إرادتنا، وإعادتنا الى المربع الاول، ومواجهتنا بما يذكرنا بالسياسات والنهج الذي اغرق كردستان في بحر من دماء مواطنيه، وتحويل موطنهم الى خرائب ومقابر جماعية.
وهذا ما واجهناه بوضوح طوال مرحلة اغتصاب السلطة والعبث بها في ولايتي رئيس مجلس الوزراء المشؤومتين.
وليس ابلغ على تأكيد ذلك من إرسال أرتال دباباته الى مشارف حدود الإقليم، بقيادة من تلطخت أياديهم بدماء الكرد، وبينهم من اصدر قرارات اعفائهم هذه الايام بعد ان تسببوا بخسارة الموصل وغيرها.
خامساً : ومن المؤسف ان لا يرى البعض من المنخرطين في الحملة المعادية لشعبنا، سواء بالتواطؤ مع سياسة الفريق الحاكم ، او بالتزام الصمت، بدعوى الخشية من العزلة ، أو عدم مراعاة مشاعر ناخبيهم ، سوى ما أُكرهنا عليه من البحث عن بديل لهذا الخراب الذي انحدرت اليه البلاد، واللوذ بحقنا في تقرير المصير، ونسيان ما تعاهدنا عليه في المعارضة وفيما بعد ٢٠٠٣ .
ومن المؤسف ايضاً، مساهمة البعض في تشويه دعواتنا المخلصة للخروج من المتاهة التي وضعتنا فيها سياسة الانفراد والتهميش والإقصاء والإملاءات، وتجريدها من جوانب مفهومية فيها ، وتركيزها فقط على اننا نريد الانفصال، كمفهومٍ وحيد الجانب لمبدأ
"تقرير المصير " .!
ويتناسى هذا البعض والأوساط المشاركة في الحملة، ما اكدنا عليه من ضرورة الالتزام بالثوابت الوطنية الكفيلة بان تجمعنا، والتجاوزات الفظة التي من شأنها أن تفرقنا :
- يجمعنا الدستور ، وبناء دولة المؤسسات والحريات في اطار النظام الديمقراطي، والمشاركة الحقيقية في حكم البلاد.
- ونحن نذكر ، لعل في الذكرى ما ينفع، ما ورد في ديباجة الدستور من "ان الالتزام بهذا بالدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وارضاً وسيادة "وهو ما خرق بكل تفاصيله .! وعلى من فعل ذلك ان يلوم نفسه.
- ويفرقنا خرق الدستور، وتشويه المسار الديمقراطي، والتجاوز على الحقوق وغمطها، بالنسبة لكل المكونات، وتأسيس سلطة فردية تسلطية، تقود الى دكتاتورية من نمط جديد .
- وما حصل ويحصل حتى الان، هو الخيار الثاني الذي يجسده نهج المالكي، وإصراره على الغاء الدستور، وتهميش الاخرين واقصائهم، واضطهادهم، ورفض التخلي عن السلطة تحت اي ظرف. ويحصل ايضاً إظهار فاضح لإنكار حقوقنا الدستورية في استعادة المناطق المقتطعة من اقليم كردستان، بل يتجاوز الأمر كل ذلك، بتلويحه بين فترة وأخرى باستخدام الزجر والقوة ضد الاقليم مختلقاً الذرائع الواهية والمفبركة احياناً، واثارة ازماتٍ تتجدد كلما رأى في ذلك تصريفاً لما يواجهه من فشل وتراجع في ادارة حكم البلاد .
سادساً :ولعلم من لا يعلم، فان التطورات الاخيرة غير المسبوقة التي أدت الى سقوط نينوى وصلاح الدين وديالى واطراف من محافظة كركوك، لم تكن مقدماتها بخافية على الفريق الحاكم ، إذ بادرنا في وقت مبكر للتنبيه على ما يجري التحضير له في الموصل، وضرورة التنبه للعواقب الخطيرة التي قد تترتب عليها، مما يشكل عوامل مضافة للفتنة والتربص فيها، وكان رد الفعل إزاء تحذيراتنا المتكررة، يعكس الكيفية التي يتصرف بها من يحكم العراق، اذ قوبلت على عكس ما كان لازماً ان تقابل به في ظروفٍ مماثلة محفوفة بالمخاطر، بالاستخفاف، وربما بالتشكيك في نوايانا من التحذير !
لقد اكدنا على ان التحشد والتسلل من الحدود المتاخمة للمنطقة، ومظاهر التحريض والتحدي من داخل مدينة الموصل، باستغلال التذمر بين سكانها ممن يشعرون بالإحباط جراء سياسة التمييز والعزل الطائفي، يتواصل ويتطور دون انقطاع، ولم يكن ذلك خافياً، إلا على من كانت على أبصارهم غشاوة، أو في نفوسهم عقدة تحرك وساوسهم وتدفعهم الى الضلالة، والسير عكس الاتجاه الذي يفرضه العقل وتتطلبه الحكمة.
ومثلما أقدمنا دائماً بالانطلاق من شعورنا بالمسؤولية إزاء الأخطار التي تحدق بنا جميعاً، وضعنا قادة الاحزاب والكتل دون استثناء، في ما يدور وما ينمو من مظاهر سلبية واخطار جدية، وهو ما بادرنا اليه ايضاً، بعد سقوط الموصل والمدن والقصبات الأخرى، مؤكدين على ضرورة ابداء اقصى درجات اليقظة، والارتقاء الى المستوى الذي تستدعيه، سياسياً بالدرجة الاولى، وما تتطلبه من إجراءات وتدابير عملية، عسكرياً وأمنياً. وكانت نوايانا الصادقة تصطدم بالتشكيك والتعالي الفظ مِمَن بيدهم الحل والربط.
وظلت المؤشرات الحكومية ، تؤكد على إغفال متعمد لجدية المخاطر وما تتطلبها من حلٍ سياسي جذري. بل كان التصرف عكس المطلوب تماماً. فبدلاً من مراجعة عقلانية وحكيمة للموقف والسياسات ومعالجة الخلل السياسي والأمني والعسكري في الموصل والمحافظات التي تقطنها اغلبية من المكون السنّي، تصاعد الموقف السلبي من إقليم كردستان واتسم باستنفارٍ عدائي، وإنكارٍ لموقعه ودوره في العملية السياسية، واجحافٍ بحق مواطني الاقليم، الى حد المحاربة في مصدر عيشهم، وقطع الاموال المخصصة للرواتب، في ذات الوقت الذي جرى صرفها للمحافظات الاخرى، وهو ما لم يسبق له مثيل في ظل الانظمة المستبدة المعادية للشعب العراقي وللحقوق القومية للكرد.
وقد جرى هذا التصعيد والتحريض ضدنا، في نفس الوقت الذي شهد تعامياً عن التحركات المريبة من التنظيمات الارهابية، وخرقها للحدود، وتجميع قواها، وتمكين خلاياها النائمة في الموصل، والمحافظات المحتلة من داعش وبقايا النظام السابق والتنظيمات المسلحة الاخرى، جهاراً وأمام انظار القيادات العسكرية والأمنية الاتحادية. وبدا المشهد، يفضح النهج المنحرف الذي يسعى للتعبئة ضد الاقليم، ويظهره كما لو انه عدو العملية السياسية والدستور، وكيل الاتهامات الباطلة له ، حد تحميلنا مسؤولية الانهيارات التي قاد الجيش والعراق اليها.! وهو ما يجري تغذيته في مختلف الأوساط، وفي وسائل الإعلام الموالية، على مدار الساعات والايام، بمحاولة اظهار الشعب الكردي، كمعادٍ للشيعة ودورهم ومواقعهم في السلطة السياسية للعراق.!
لقد اكدنا دائما، وعززت الحياة صدق افعالنا ونوايانا، اننا لم نكن يوماً طرفاً سلبياً في الصراع الذي دار منذ سقوط النظام الدكتاتوري، ولم نساوم أو نقف ضد اي مكون من المكونات الوطنية العراقية، بل تعاطفنا ودافعنا عن الحقوق والمطالب الدستورية للمكون السنّي، وعارضنا تهميشهم او اقصاءهم، او اضعاف دورهم المشروع في الحياة السياسية وفي السلطة. كما لم نفرط في حقوق الطائفة الشيعية، أو دورهم وما يسجله الدستور لهم من مواقع قيادية في ادارة البلاد، وحرصنا على التمييز بين السياسات الخاطئة للشيعي المسؤول في الدولة ومواقفه من حقوقنا وقضايانا، والمكون الشيعي الذي نعتز بتحالفنا معه تاريخياً، وكذلك الحال مع المسؤولين السنة، والطائفة السنيّة . وسنظل ندافع انطلاقاً مما أقره الدستور، وتفرضه تطورات الحياة السياسية عن حقوق ومطالب جميع العراقيين على اختلاف انتماءاتهم وميولهم السياسية والعقائدية والقومية.
وقلنا دائماً، ونؤكد اليوم ايضاً، ونحن نجتاز مرحلة دقيقة من مراحل تطور العراق الجديد، إن بقاء العراق رهن بتأمين مصالح مكوناته، والاستجابة لتطلعاتها المشروعة. ويتعذر تحقيق ذلك دون استكمال بناء أسس الدولة المدنية الديمقراطية، واقامة مؤسساتها الدستورية، وتكريس شرعية سلطاتها والحفاظ على استقلاليتها، بمعزل عن أية تشوهاتٍ تُلحق بها. ومثل هذه الشرعية تستوجب وضع الآليات التي تحول دون الانفراد بالسلطة، أو التغّول بالاعتماد عليها، أو حرفها نحو التسلط والدكتاتورية، واخراجها من المسارات التي يفرضها النظام الديمقراطي الاتحادي التداولي . كذلك يتطلب معافاة الحياة السياسية، بإخراج العملية السياسية من مجرى التحاصص الطائفي واثارة النعرات المذهبية الذميمة، وتعبئتها وتحويل ولاءاتها، فوق اعتبارات الانحياز الوطني، وقيم المواطنة الحرة.
إن كردستان عانت الويلات من الإرهاب وحملات التكفير، ونحن ندرك ما تمثله المنظمات الارهابية ، من اهداف واساليب وحشية، ونعرف انها لا توفر الجميع من مخططاتها الظلامية المتخلفة. ومن هذا المنطلق أدنا وندين كل المنظمات الارهابية، ونتصدى لها ولمشاريعها بكل ما نتمكن منه من اساليب ووسائل. ولكننا ندرك، أن تصفية جذور الارهاب، واجتثاث وتجفيف مصادره يقتضي، اتخاذ السياسات والتدابير التي تحرمه من أي ملاذٍ آمن، أو بيئة مواتية، أو حاضنة ترعى وجوده وتتعاطف معه. وفي واقعنا الملموس، وبعد ثماني سنوات من نهجٍ فردي تسلطي واقصائي للمكون السنّي، ومن اجراءات وتدابير تفتقر لأبسط دواعي التعقل والحكمة، استطاعت داعش وفرق ارهابية ومسلحون عشائريون متضررون من السياسة السائدة، اختراق مناطق واسعة، وفرض سطوتها بالقوة عليها. ان داعش ليست هي المكون السنّي، والتنظيمات الاخرى ليست تعبيرات عنها، واذا ما شعر بعض من سكانها، بالاطمئنان من الواقع الجديد، فان تلك ظاهرة مؤقتة، سرعان ما ستسفر التطورات اللاحقة، عن افتضاح هذا الواقع ، والخروج على داعش، وبروز مظاهر الاختلاف حد الاقتتال بين المسلحين وانتفاض السكان على سلطة الارهاب الذي قد يفوق ما عانت منه في ظل الحكم الفردي المتناقض مع الدستور وسياقاته في بغداد.
وبقدر مسؤوليتنا التضامنية، فاننا سنواصل الاتصال بجميع الفرقاء، المتفقين معنا والمختلفين، بغية انضاج حلٍ سياسي جذري، قوامه اجراء اصلاح بنيوي في هيكل الدولة ومرافقها ومؤسساتها، وتكريس آلية ديمقراطية، يتعذر في ظلها تغّول اي حاكمٍ أو سلطة سياسية. وسنسعى مع الجميع، للبحث في ما يقتضيه الوضع الجديد الذي نجم بعد العاشرمن حزيران، من تغييرات وأطر سياسية تستجيب وتطمن المكون السنّي، وتعزل الإرهابيين، وتقصيهم من الملاذات الآمنة التي يتحركون فيها.
لقد تغاضينا عن الاساءات والاتهامات المغرضة التي يغذيها الفاشلون ضد شعبنا والاقليم، معتمدين على وعي الشعب العراقي، والمخلصين من الكتل والاحزاب، للرد عليها ووضع حدٍ لها. ولدينا ما يشكل ردعاً مناسباً لمن تسول لهم انفسهم ومطامعهم، مواصلة هذا الطريق الوعر..
اننا نتساءل ، أليس من فرَّق عرب العراق الى سنذَة وشيعة، هو من قسّم العراق فعلياً .؟
ثم أليس تكريس النزعات الطائفية، هو في صميم تمزيق نسيج المجتمع العراقي..؟
ان الشعب الكردي، اذ يضع برلمانه وقيادته امام المسؤولية التاريخية لتحديد مسار تقرير مصيره، فانه سيواصل اتخاذ ما يراه مناسباً لحماية حقوقه، ولن يتراجع عن المسار الذي يتجسد في تقرير المصير، يتطلع في ذات الوقت، لكي تبادر القوى الحية، من أحزاب وكتل برلمانية، شيعية وسنيّة، لاطلاق مبادرة سياسية، يستعيد من خلالها العراق عافيته. وتتحقق فيه لكل العراقيين والمكونات دون استثناء المساواة والحريات والشراكة الفعلية في حكم البلاد ، في دولة ديمقراطية اتحادية ، تضع حداً للتسلط والانفراد والدكتاتورية.
ان تقرير المصير حق مشروع لشعبنا، استناداً لكل الشرائع والمبادئ الأممية والوطنية، وشعبنا لن يتراجع عن هذا الحق، وتطبيق آلياته وتامين مستلزماته، وسيعتمد في ذلك على الدعم من الشعب العراقي والتشاور مع ممثليه وكل المدافعين عن حق الشعوب والأمم التي تستباح إرادتها . ان العيش المشترك خيارٌ طوعي اذا تجسد فيه ما يراه الشعب استجابة لمرحلة من مراحل حقه التاريخي. وفي هذا السياق، لا يمكن لشعبنا الا ان يتذكر بعرفان ، مواقف آية الله الإمام محسن الحكيم والشهيد الصدر لوقوفهما الى جانب شعبنا وكفاحه دفاعاً عن حقوقه ومصالحه القومية .
والانفصال وتقسيم العراق، تقع مسؤوليته على القوى والحكام الذين يكرسون نهج تمزيق المجتمع على اساسٍ طائفي ومذهبي، ويقتلون المواطن او يقصونه على الهوية..!
أليس جلياً أمام كل مواطنة عراقية ومواطن عراقي، وأمام كل الشعوب المناصرة لشعبنا ، ان تشبث السيد المالكي بولاية ثالثة، رغم ما أصاب البلاد من انتكاسة خطيرة، ورغم تأكيد جميع القوى على تغييره، أداة لدفع العراق الى مزيدٍ من الفوضى والتشتت، والانزلاق الى منحدر لا قرار له ..؟
اننا نؤكد بوضوح اننا لن نتراجع عن حقنا في تقرير المصير ، كما يقرره شعبنا بإرادته الحرة .
- ان تهديد مستقبل العراق والعراقيين ، هو مسؤولية يتحملها من يصرون على تمزيق نسيج المجتمع العراقي، ويخرقون الدستور، ويضعون العراقيين في مواجهة نمط جديد من الدكتاتورية .
مسعود بارزاني
رئيس اقليم كردستان
صلاح الدين / في ٨ تموز ٢٠١٤