كم هي مدهشة طمأنينة رئيس الوزراء الأردني، وهو ينطق عن الهوى، معلناً بثقة ليست في محلها، أن الأردن لا يواجه أي أخطار تهدد أمنه، رغم ما تشهده حدوده مع العراق وسورية من أحداث، وأنه لا خوف على الأردن من تداعيات الأحداث في المنطقة، صحيح أن المواطن يشعر ببعض الرضى، بسبب حالة الاستعداد والتأهب لمواجهة التطورات المتسارعة في الإقليم، ويطالب باستمرار الإصبع على الزناد، لكن الصحيح الذي يحاول النسور القفز على حقائقه، أن الأردن يواجه أخطاراً خارجيةً جديةً، لا تهدد أمنه فحسب، وإنما تهدد وجوده، وكان واجباً عليه أن يقرأ بدقة، الواقع القائل إن دولتين من دول الجوار تتعرضان فعلياً لخطر التقسيم والتفكك، وأن يدرس النتائج المحتملة إن نجح الأمر، وأن هناك كياناً معادياً ينشأ بأنياب ومخالب فولاذية، وعينه على الأردن للتوسع ، إلا إن كان النسور تلقى تطمينات بأن "دولة الخرافة" لن تتمدد لتكون على تماس مع حدود إسرائيل، التي تشن اليوم حرباً على قطاع غزة، دون أن يرف جفن واحد من قادة الأمة.
داخلياً ثمة أخطار كامنة، يبدو أن النسور أغمض عينيه، عنها مُنصرفاً إلى معالجة عجز الموازنة، بالمزيد من رفع الأسعار التي تطال الفقراء، ولعل أبرزها انخراط المئات من أبناء الفئات المُهمّشة، في تنظيمات التطرف والموت، وتطوعهم للقتال اليوم في سوريا مع جبهة النصرة، وفي العراق مع داعش والبعث، ولاحقاً وحين تتهيأ الفرصة في الأردن ضد "نظام الطاغوت"، يترافق ذلك كله مع انفلات حبل الأمن، وانتشار السلاح غير المرخص بين المواطنين، واللجوء إلية لأبسط الأسباب وأتفهها، نتيجة انعدام هيبة الدولة، إضافة لأخطار تدفق مئات اللاجئين يومياً على الأراضي الأردنية، حتى تجاوز عديدهم مليوناً ونصف المليون، في بلد يشكو الفقر وشحة المياه وتفاقم المديونية، هذا إن تجاوزنا عن وجود حزب ما يزال رسمياً، ويحصل على معونة من الدولة، ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض على السلطة والحكم، وقد أفصح عن نواياه، حين تمكن إخوانه من حكم مصر، ما يوجب على النسور والذين معه، الإقلاع عن محاولة التسكين بحبة المخدر، بدل اللجوء إلى الجراحة العاجلة والمطلوبة.
من حقنا أن نسأل النسور ووزير داخليته، الذي أمّن على أقواله المُطمئنة، ماذا أعد الأردن لمواجهة مخاطر نجاح "دولة الخلافة" في تثبيت أقدامها في الجوار العراقي، وتقسيمه إلى أكثر من دويلة طائفية بامتياز، وما هي خططه لمواجهة استمرار الحرب في سوريا، وما يتبع ذلك من موجات اللجوء، وماذا لو تفجرت انتفاضة شعبية عند حدوده الغربية، أو تطور الوضع هناك إلى حرب، سواء كانت شاملة أو محدودة، ماذا عن أوضاع البلد الاقتصادية، وهي تتدهور يومياً في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والنقل البري والسياحة، تلك أسئلة لاتتوقف الإجابة عليها عند حدود اكتمال استعداداتنا العسكرية والأمنية لمواجهة التطورات، وهي مطلوبة وضرورية، فالإجابات المطلوبة ليست فقط لتطمين الناس، وانما لمواجهة كل هذه التحديات غير المسبوقة، والتي لن يكون مُجدياً معها الفهلوة والتلاعب بالكلمات، فهذه ليست مواجهة مع نواب يناكفون الحكومة، بقدر ما هي خطر داهم، يحتاج معالجة غير هذه بالتأكيد.
صحيح أن الأردن واجه عبر تاريخه تحديات كبيرة ومصيرية، استطاع تجاوزها، غير أن الأمر اليوم مختلف، فهناك صراع إقليمي محتدم يهدد بإعادة رسم الخرائط، ولابد من مواجهته بما يستحق من اهتمام، إن كنا نريد للدولة الأردنية الاستمرار.
طمأنينة في غير محلها
[post-views]
نشر في: 9 يوليو, 2014: 09:01 م