خرجت امس الرئيسة البرازيلية "ديلما روسيف" لتعلن للشعب الغاضب بسبب الخسارة الكبيرة امام الفريق الألماني بانها وحكومتها يتحملون المسؤولية الكاملة قائلة : " أنا آسفة للغاية للجميع.. للمشجعين وللاعبينا، وانا مثل كل البرازيليين، حزينة جدا جدا بسبب الهزيمة " .
لو سألت أي مواطن عراقي عما قالته رئيسة البرازيل، ، فقد يموت من الضحك ويعتبر المرأة ، اما مجنونة او متبطرة .. فالمواطن اعتاد ان يسمع مسؤولية يلومون الشعب على كل ما جرى من خراب وبؤس، لان هذا الشعب متآمر بطبعه، ولا يشكر النعمة التي يعيش في ظلها.
خطاب رئيسة البرازيل يبدو للمواطن العراقي غريبا وعجيبا، لأنه يدخل في خانة المستحيلات، فنحن نعيش في ظل مسؤولين مصابين بداء الزعامة، يحلمون بان يستيقظوا فيجدوا انفسهم وقد صاروا مثل "الأباطرة "، الكل يتحدث عن الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون، لكنه لا يفرق بين إدارة دولة ، وإدارة دكان عطارة ، ويعتقد أن الوجه "العبوس والمتجهم" هو الذي يبني اقتصادا قويا ونظاما اجتماعيا متماسكا.
شجاعة وجرأة تحسب لمسؤول، حين يظهر على الملأ ليخطئ المنهج الذي خطته حكومته، حتى وان كانت الأخطاء خارج حدود قدرته، الهدف من ذلك كله هو أن تشعر البلاد أنها تسير في الطريق الصحيح، وان سياسة الحاكم تصب في خدمة الازدهار والتطور، والأهم خدمة الناس جميعا، وان المسؤول عليه أن يتصرف بمسؤولية كاملة حتى مع ضياع كأس العالم لا ضياع كبرى المدن.
في الجانب الاخر من العالم كانت هناك امرأة بدينة اخرى ، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقفت لتعلن الى العالم ان الفوز في كرة القدم لا ينفصل عن الفوز في الاقتصاد والتقدم ، وانه انتصار لإصرار المواطن الألماني على التقدم في كل الميادين.
المرأة البدينة كما يطلق عليها الألمان تحبباً لا تكف عن إدهاش العالم.. فقد استطاعت ان تضع بلادها على قائمة البلدان الأكثر دخلاً.. ووسط الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، ظلت المانيا بمنأى من العواصف آمنة، هادئة تقدم المال والنصيحة للأوربيين جميعاً.
منذ نصف قرن والعالم يتغير بين ثانية وثانية، ذهب كول وبراون وبلير وبوش الاب وبعده الابن وكلينتون، وقبلهم استجاب ديغول وتشرشل لمطالب الناس بالرحيل عن كرسي الحكم، فيما نحن مصرون على ان نأخذ الكرسي معنا الى القبر، لابديل ، لا حكومة انقاذ من المصائب، لا مكان للاختلاف.
استطاعت دليما روسيف وقبلها انجيلا ميركل اخراج الشعبين الألماني والبرازيلي من عصور الضنك، والفقر والديون .. والاهم من تجاوز عصور الثأر والكراهية والانتقام.. اليوم يفوق دخل ألمانيا مجموع دخول معظم الدول المصدرة والمنتجة للنفط .. ويحدث ان تتحول البرازيل من دولة مديونة إلى دولة دائنة حيث نادي الدول الثمان الكبار باقتدار .
العالم يعيش اليوم في ظل نظامين واحد يشجع على الحياة والرفاهية والعمل والكفاءة والازدهار ، واخر يبحث في دفاتر التاريخ عن موقعة "دابق" ليجعل منها عنوانا لمرحلة جديدة من التقهقر في دروب الظلام.. كلما زاد الفقر والظلم والخوف، أخرجنا قواميس الماضي لنذكر الناس بموقعة السقيفة وبحرب البسوس .
يعيش صاحب شعار السلطة المطلقة في عالم من الوهم ينسجه له المقربون. صدَّق مبارك التظاهرات التي انطلقت للهتاف باسمه، فيما ظل القذافي حتى اللحظة الأخيرة من حياته يردد "الشعب يحبني"، فيما يكتب دكتاتور تشيلي بينوشيه في وصيته "سأموت وأنا فخور بما حققته من إنجازات لهذا الشعب" وكانت أبرز انجازات الجنرال هي قتل معارضيه وتشريدهم وتسليم البلاد الى مجموعة مقربه عاثت فساداً وإجراماً.. في خريف البطريرك يكتب ماركيز "يعيش الدكتاتور في عالم من القطيعة والأحكام المطلقة التي لا تفسح مجالا للاختلاف".
ما أسهل أن تدغدغ مشاعر البسطاء من الناس بالأحلام، وما أسهل أن يصدقوك، لكن ما أصعب أن تنجو من ثمن عدم تحقيقك لأحلامهم، عندما تحين ساعة حسابهم لك، ستجد نفسك وجها لوجه مع ثمار الفشل والكذب والانتهازية، كان هذا الدرس الذي تعلمه قادة المانيا البرازيل من تجارب سابقة، فاختاروا أن يقدموا للناس منجزات لا وعودا.. كؤوس من الطمانينة والرفاهية والتعليم والصحة .. فيما يصر ساستنا الافاضل على الحصول على كاس الفشل عاما بعد آخر .
كاس العالم .. وكاس الفشل
[post-views]
نشر في: 9 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
حامد اسماعيل حسين
الاستاذ علي حسين المحترم....انا اعتقد سبب خسارة البرازيل بسبعة أهداف لواحد هي مؤامرة من قبل السيد مسعود البارزاني باتفاق مع سكولاري مدرب البرازيل لصعود الآريين الألمان لان الظاهر في هذا الزمن الأغبر كل مصائب الارض وفشل القيادة الحقة اضافة الى جيش المرتزقة
أحمد الهاشم
أخي العزيز .. لو أن كتاباتك في بلد ديمقراطي لفعلت الكثير , ولكن ما عاد احد يسمع لا النصيحة ولا الرأي في بلد يرى رجال سلطته أنهم الاحسن والافضل بل والاكثر ديمقراطية , نظرة واحده لمن يخرج منهم على الشاشة تعطيك حقيقة تصورهم , وهم على حق ما دام رئيسهم وكبير ح