TOP

جريدة المدى > عام > في وداع حسين عبد اللطيف

في وداع حسين عبد اللطيف

نشر في: 11 يوليو, 2014: 09:01 م

بيني وحسين عبد اللطيف صلة بدأت منذ عام 1968 عند ترددنا على المكتبة الأهلية في البصرة القديمة.طوال هذه السنوات لم يعكر صفو العلاقة ما يدفع إلى القطيعة نهائياً،و توطدت علاقتنا عائلياً،بعد زواجه. في مرضه الأخير قدمت الراحلة زوجتي له ما استطاعت وتمكنت.صب

بيني وحسين عبد اللطيف صلة بدأت منذ عام 1968 عند ترددنا على المكتبة الأهلية في البصرة القديمة.طوال هذه السنوات لم يعكر صفو العلاقة ما يدفع إلى القطيعة نهائياً،و توطدت علاقتنا عائلياً،بعد زواجه. في مرضه الأخير قدمت الراحلة زوجتي له ما استطاعت وتمكنت.صباح الخامس من تموز2014 هاتفني مؤكداً حاجته الماسة إلى كتابين هما"مرايا" للراحل " عبد الجبار عباس" و"أوراق العشب" لوالت ويتمان"،ترجمة" سعدي يوسف"، فأكدت له إن الأول غير متوفر لديّ والثاني سأزوده به قريباً. مساء السابع من تموز 2014 استضافتني " رابطة مصطفى جمال الدين الأدبية" للحديث عن كتابي" مقاربات في الشعر والسرد" وقدمني في الجلسة الرمضانية الزميل الشاعر هيثم عيسى. بعد فتح باب الحوارات وجه لي سؤلاً حول ما هي الضرورة التي دعتني للحديث عن سيرة حسين عبد اللطيف في دراستي المنشورة في الكتاب المعنونة" متوالية" هايكو"؟!. كان جوابي هو إن سيرة حسين عبد اللطيف الثقافية في البصرة تحتاج لكتاب خاص وليس دراسة . فحسين عبد اللطيف ساهم مساهمة فعالة في إقامة علاقة ثقافية مع الشباب من جيل الثمانينات والتسعينات البصري وكان قارئاً جاداً لهم ومقيلاً لكثير من عثراتهم، ومع تشدده في الحكم على نتاجاتهم لغرض دفعهم للتميز والوصول لحالة من الإبداع الثقافي- الأدبي اللائق، وبحكم علاقتي به استطيع على أن ادلل على ذلك،وبالأسماء والنتاجات التي مرت بين يديه وإمام عينيه وحصلت على جوائز متميزة عراقية وعربية، لكن هو لا يسمح بذلك. و يملك أرشيفاً تاريخياً نادراً خاصاً بالحركة الثقافي- الأدبية والفنية البصرية.صباح الخميس في العاشر من تموز 2014 هاتفني حسين موجهاً شكره لما قلته عنه وطالبني بـ"أوراق العشب" سريعاً كونه يعد دراسة موسعة عن الشاعر سعدي يوسف، فأكدت له إنني سأترك الكتاب له لدى الشاعر" كاظم لايذ" في مكتبة " القبة" اليوم.عند وصولي إلى مكتبة "القبة" في الساعة العاشرة والنصف صباحاً هاتفته وتحدثت معه وكذلك الزميل " اللايذ" فذكر حسين انه غداً سيأتي لاستلام" أوراق العشب". في الساعة الثالثة بعد الظهر هاتفني باكياً الشاعر " حبيب السامر" مؤكداً لي"وفاة" حسين" بشكل مفاجئ، ثم أكد لي ذلك أخي محمد خضير والزميل كريم جخيور الذي ذكر أنهم في مغتسل الأبله.ذهبنا ، د. سلمان كاصد وجميل الشبيبي، وهناك وجدنا عدداً لا يحصى من أدباء البصرة.بعد التغسيل والصلاة انتقلنا بسيارات كثيرة نحو مسكنه، وشيعناه مشياً على أكتافنا إلى نهاية الشارع، ومنه في سيارة ،العجيب أنها كانت سوداء، في الساعة الرابعة عصراً كان حسين عبد اللطيف في تابوت خشبي اسود كذلك ، و في الطريق إلى مقبرة وادي السلام.ليس إلا أن استعيد ماكتبته في نهاية مقالتي عن "متوالية هايكو"، وأوجهها هذه المرة إلى حسين عبد اللطيف ذاته:
"أحياناً نحاول السعي للوصول نحو درجة مقبولة، لابد منها، في تعاملنا مع الحياة وما يحصل فيها خلال أمرّ أوقاتها وأكثرها شدةً و ألماً شخصياً، وهو ما سعى حسين عبد اللطيف نحوه في بعض متواليالته التي يستعيد فيها بحزن ولوعة ومرارة فاجعته في ولده البكر(حازم) الذي توقفَ عن الحياة ، وانطفأ عند توهج ربيعه:
"( نعَيج الماء) يطير
ظلك ذا...... ينحسر
لن تجدني بعد الآن أفيء إلى شجرة!."
"في هذا العالم ما اشد ما اتالم
فاحمله بقاربك بحنو ولطف
اورشنابي".
"في الدنيا، أدمته الأشواك
احمل عزيزي على كتفكِ
بلطفٍ ييتسوjizo".
اورشنابي في ملحمة كلكامش نظير ييتسو(jizo ) المرافق للموتى في المعتقدات اليابانية. حسين عبد اللطيف في (متوالياته) أو كما ذكر (توقيعاته) ، يخاطب الأشياء بحنو في واقع صلد و قاس، نرى ونتلامس فيه مع اللامتوقع، كاشفاً عن ذاته بانكسارِ مهزومٍ، لا يقر بهزيمته أو يستسلم لها، مع أنه عاش تجارب حياتية خذلته كثيراً وتركت على روحه وجسده ندوباً لا تُمحى، لكنه بدأبه وتواصله مع العالم ومواجهته لما عاناه وكابده، وعبر الشعر بالذات ، وبالترافق مع تقدمه في السنوات، وتعزّزْ مكانته كشاعر مثابر اتسعت رؤاه وتمكن من أدواته ، ولم يتجاهل وصية " لوتشي"، الشاعر الصيني والقائد الذي حكم عليه بالموت عام 303 م ، بعد معركة خسرها، و أشاع تلك الوصية (ارشيبالد ماكليش) للجميع في "إن فنّ الشاعر طريق للمعنى.. طريق تجعل العالم يعني شيئاً".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر
عام

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حاوره: علاء المفرجيرواء الجصاني من مواليد العراق عام 1949، -أنهى دراسته في هندسة الري من جامعة بغداد في عام 1970، نشط في مجالات الاعلام والثقافة والفعاليات الجماهيرية داخل، -العراق حتى العام 1978، وفي الخارج...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram