القسم 10 من بزوغ الصوت الأنثوي
تعرضت أسرة ماري تيريز لظلم السلطات العثمانية المستبدة التي كانت تضطهد الطوائف والأديان تارة بالسجن أو التعذيب وأخرى بالتهجير وفرض الإتاوات ومصادرة الأموال . كما واجهت ماري تجارب مريرة في بلدان الغرب ، غير أن اشد اضطهاد تعرضت له هو ما يمكن ان ادعوه اضطهادها للأنثى في داخلها ،وقد نفسر الأمر على أنها لم تكن على قدر من الجمال حسب الرسم التخطيطي المرفق مع أصل كتابها بالإنكليزية ، لكنها كانت على قدر عال من شفافية الروح والذكاء والثقافة والشجاعة والثقة المطلقة بالآخرين وعوضت بثقافتها وأعمالها عن الجمال المظهري الذي كان ولا يزال المعيار الأهم في تعامل المجتمعات الغربية والشرقية مع النساء و لم تتحدث لنا عن مشاعرها الأنثوية وأهملت البوح بأحلامها الشخصية ، ولم نجد لديها ظلا لتعلق أو شغف او علاقة حب بينها وبين أحد الرجال من أصدقائها الأمراء والنبلاء في أوروبا، ولعلنا نتساءل هنا : هل كانت ماري متمسكة بالعادات الشرقية التي تحظر البوح والحديث عن تجارب النساء وعلاقات الحب؟؟ ارجح انها كانت تقدم صورة منتقاة ومصفاة عن شخصيتها مثل راهبة متبتلة وسط مجتمعات أوروبية منفتحة حافلة بالمغريات وفرص العشق، هل حقا لم تشغف هذه المرأة الرقيقة ولم تعشق ولم يترك أحد الرجال أثرا في حياتها الشاسعة المثقلة بالتجارب والأحداث ؟
لا أظن ذلك ، فإغفال هذا الجانب السيري في مذكراتها يشكل ثغرة كبيرة في الصورة التي قدمتها ماري تيريز عن نفسها لتحتفظ بهالة المرأة الشرقية المحاطة بالحجب والأسرار مع انها تتناول أوضاع النساء والإجحاف الذي كن يلاقينه في تلك الحقبة وحرمانهن من التعليم والحقوق الأساسية بوعي امرأة معاصرة ما دفعها لتفتح مدرسة خاصة لتعليم البنات في بغداد حيث علمتهن الى جانب القراءة والكتابة أشغال الإبرة والأعمال الفنية ، لكن مشروعها تعرض للتدميرعندما هاجمها جماعة من المبشرين الأوروبيين المتنفذين المستفيدين من ثروات العراق مستقوين بعلاقتهم بالوالي العثماني وأرغموها على إغلاق مشروعها إذ عدوا أنفسهم المخولين الوحيدين للتعليم الخاص في بغداد وكانوا يرشون الوالي ويتدخلون في قراراته ،وتخبرنا ماري عن الموقف الأوروبي هذا القادم الى الشرق ليكدس الثروات غير عابئ بمعاناة الناس ومشاكلهم فتقرر اللجوء الى الصحراء التي كما تصفها ماري "تمنحنا ضميرا حيا نقيا ".
يبقى كتاب ماري تيريز غنيا بالمعلومات الأنثروبولوجية القيمة عن عادات وتقاليد المجتمع العراقي متعدد الأعراق والثقافات تحت الحكم العثماني كما يقدم صورة دقيقة عن الحياة في مدن تلكيف والموصل وبغداد و تفاصيل عن حياة البدو وأعرافهم ومواقفهم النبيلة واحتضانهم السخي لها هي المسيحية المطاردة من قبل الباشا العثماني بعد ان فقدت والدها وباقي أفراد أسرتها وخسرت الثروة والمكانة الرفيعة لتلك الأسرة ولاذت لبعض الوقت في مضارب قبيلة الشيخ البدوي ( درياح ) بين بغداد وبابل وهو الذي استضافه والدها مرارا وأمضت شهورا بين أسرته ونشرت في النص الانكليزي للكتاب ترجمتها لكلمات أغنية بدوية و تدوينها لنوتتها الموسيقية سمعتها في مضارب القبيلة هي الأغنية كانوا يغنونها لهجاء الوالي العثماني والسخرية منه.
وبمساعدة الشيخ انضمت الى قافلة كبيرة في رحلة الى فلسطين و الشام ولبنان لتعمل مرافقة لأميرة شهابية في بيت الدين وهناك تفجرت مواهبها وكتبت مسرحية ومثلتها في قصر بيت الدين أمام حشد من السيدات ثم اتجهت الى أوروبا وقابلت البابا واستقرت في باريس ثم لندن حيث نشرت الكتاب سنة 1844.
يتبع