بعد أكثر من 120 قتيلا من أبناء غزة، لم يُشبعوا نهم آلة الحرب الإسرائيلية، التي اقتنصتهم بطائراتها وفيهم نساء وأطفال وأبرياء، وليس من بينهم صيد حماسي ثمين، تنتقل الهجمة الشرسة من الجو إلى البر، بعد تحضيرات ميدانية، شملت نشر مدرعات ودبابات على الحدود، واستدعاء 40 ألفاً من جنود الاحتياط، ودون الأخذ بالاعتبار دعوة الامم المتحدة لوقف إطلاق النار، وبحجة وقف الصواريخ التي تطلقها حركة حماس من القطاع، ضد البلدات الإسرائيلية والكثير من المواقع العسكرية، واقتربت مؤخراً من مفاعل ديمونه النووي، لكنها لم تقتل اسرائيلياً واحداً حتى اللحظة، واقتصر تأثيرها على هلع بعض أصحاب القلوب الضعيفة.
ما يشجع إسرائيل على التصعيد، دون خوف من أي رد فعل على جرائمها، غياب الإرادة والقرار عند المجتمع الدولي، خصوصاً وأن واشنطن ربطت علاقتها بالقضية الفلسطينية، بمبادرات غير مكتملة الملامح، يطرحها وزير الخارجية كيري وهو يدرك أن مآلها الفشل، إضافة إلى الثقة بأن الفلسطينيين سيواجهون مصيرهم وحدهم، فمصر منشغلة بمشاكلها الداخلية الهائلة، وسوريا والعراق تخوضان حرباً ضد داعش ومشروعها للعودة إلى الحكم الديني، والأردن ملتزم بمعاهدة الصلح، ودول الخليج تسعى لتحصين أنظمتها ضد فيروس "الربيع العربي"، وإيران توظف كل أوراق المنطقة، للتوصل إلى اتفاق يمنحها حق الاحتفاظ بمشروعها النووي، والساحة الفلسطينية مثقلة بنتائج الانقسام بين فتح وحماس، الذي لم تثمر المصالحة الأخيرة بينهما في الحد من سلبياته، نظراً لقناعة كل من طرفيه بامتلاكه الحقيقة، مع عدم ثقته بسياسات الطرف الآخر ولا بنواياه.
منذ انسحبت إسرائيل من القطاع قبل حوالي عشر سنوات، وهي تواصل عدوانها عليه، وقد خاضت ضده أربع حروب، بهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني من جهة، وتحويله إلى صندوق بريد لإرسال الرسائل، وساحة للعبث بالنظامين العربي والإقليمي، وكان لخطيئة حماس بانقلابها على الشرعية، بتأييد واضح من إيران، اليد الطولى في تنفيذ الرؤية الصهيونية، وتمكينها من النجاح في إعادة إلغاء الشريك الفلسطيني، رغم الواقعية التي اتسم بها، و"التنازلات" التي قدمها على طبق ضعفه وقلة حيلته، للتوصل إلى أي شكل من أشكال الاتفاق، يتيح للشعب الفلسطيني التقاط أنفاسه.
مع انفلات داعش وعبثها، فقدت المنطقة أي توازن في القوى، يمكنه أن يضبط انفجاراً أمنياً واسعاً، أو يفرض سلاماً، كانت داعش وما تزعمه من عودة إلى الإسلام، هدية ثمينة تلقفتها تل أبيب، مثلما تلقفتها أنظمة المقاومة والممانعة، الأولى لطمس كل بُعد سياسي وتحرري، بالتركيز على ما يسود المنطقة من عنف، تمثل مؤخراً بخطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، فيما يمتلك الممانعون ورقة تطالب بالعودة إلى أولوية الصراع مع إسرائيل، وهنا برزت صواريخ حماس في محاولة لاستنساخ حرب تموز مع حزب الله، التي غطت ولو مؤقتا على جريمة اغتيال رفيق الحريري، وقد يجد الشارع الفلسطيني في صواريخ حماس، ما يعوضه عاطفياً عن حالة الجود وانعدام الخيارات، لكن المخاوف حقيقية من أن ذلك لن يؤدي لغير المزيد من الضحايا الفلسطينيين، ينتظرهم كثيرون لاستغلال دمهم المراق لمنفعتهم الشخصية.
مؤكد أن أي هجوم بري تشنه إسرائيل لن يكون نزهة، فقد نجحت حماس في بناء شبكة من الأنفاق لحماية قياداتها، وعززت ترسانتها الصاروخية، لكن ذلك لايعني أن النتائج لن تكون في صالح الفلسطينيين، ولن تصب الحب في طاحونة حماس، التي يبدو أن عسكرها أفقدوا سياسييها القدرة على اتخاذ أي قرار، لكن ذلك لايعني أن خيار الضربة البرية سيكون لصالح إسرائيل بالكامل، مع توقع ازدياد خسائرها البشرية والاقتصادية، ما سيدفعها للتوقف عند حدود اختراقات برية، لاتتجاوزها إلى حتى مجرد التفكير بإعادة احتلال القطاع.
غزة تواجه الحرب البريّة
[post-views]
نشر في: 12 يوليو, 2014: 09:01 م