صبيح حافظ إن المياه وتداعياتها المختلفة تعتبر ذات أهمية وضرورة بالغة ، كونها المادة الأساسية للحياة ، ليس للبشر فحسب بل لجميع المخلوقات حيوانية كانت او نباتية. شحة المياه واستمرارية حبسها وعدم إطلاقها بات يهدد الحياة البشرية والزراعية والحيوانية والبيئة ،
حيث اعلن المسؤولون في الموارد المائية والزراعية عن موت غابات النخيل على ضفاف شط العرب وزيادة الملوحة في نهري دجلة والفرات وموت الاحياء المائية وزيادة مساحات التصحر وقلة مناسيب الاهوار. ففي الايام القريبة الماضية – شكت الدوائر المعنية في محافظة البصرة بسبب تزايد نسبة الملوحة في مياه شط العرب حيث أخذ الاهالي بترك مناطقهم والهجرة الى اماكن اخرى لكي يستطيعوا الحصول على حاجاتهم اليومية ، وهذا ما حصل في مناطق الفاو والسيبة وابي الخصيب وغيرها. أهالي مدينة خانقين ومعهم ممثلو منظمات المجتمع المدني والهيئات الاجتماعية والنخب الثقافية قاموا بمسيرة سلمية الى معبر المنذرية لتقديم مذكرة الى الحكومة الايرانية يناشدونها إطلاق المياه في مجرى نهر الوند، تجنباً لحدوث كارثة بيئية واجتماعية وزراعية خطيرة ، حيث اقدم الجانب الإيراني على إيقاف تدفق المياه في النهر منذ اكثر من سنة. مع العلم ان نهر الوند يعتبر الشريان الاساسي لمدينة خانقين وقد طالبوا بمذكرتهم الدولة الايرانية وبحكم الجيرة والانسانية ان تطلق مياه النهر ، ولكن رفض المسؤولون الإيرانيون تسلّم المذكرة. ان مشكلة شحة المياه وعدم إطلاق الحصة المقررة بموجب اتفاقيات سابقة لم تحل رغم الوعود التي يعطيها الجانب التركي من خلال عدد من الزيارات الرسمية المتبادلة بين الدولتين، وكانت آخرها زيارة كل من وزير الخارجية ووزير التجارة التركية الى العراق في آب الماضي وتصريحاتهما الايجابية بخصوص حل مشكلة المياه ، ووعدوا أيضا بزيادة تدفق المياه ، ولكن ذلك لم يحدث على ارض الواقع . ولعدم تنفيذ تركيا وعودها المتكررة تقرر عقد اجتماع على مستوى الوزراء لكل من العراق وتركيا وسوريا في الاول من ايلول وفعلاً تم الاجتماع الثلاثي في 3/9/2009 في تركيا ، وطالب ممثل العراق بأن يتم تزويد البلاد بحصص مائية عاجلة للتغلب على الحالة الصعبة و(المأساوية) التي ألمت بكمية ونوعية المياه بالمحافظات الجنوبية وخاصة ذي قار وميسان والبصرة التي تسببت بتصاعد نسبة الملوحة في شط العرب الى ما فوق المستويات المقبولة للشرب بأضعاف ، إيجاد معالجة نهائية لازمة التناقص الخطير بإمدادات نهري دجلة والفرات باعتماد حصة ثابتة إليهما وفق اتفاقية أصولية تضمن الحقوق العراقية ، هذه الوعود على الورق دون تنفيذ ، واذا ما علمنا أن تركيا عازمة على تنفيذ مشروعها الكبير (الغاب) والذي يتضمن إنشاء (22) سداً إضافة الى سد(أليسو) بسعة خزن تتجاوز(100) مليار متر مكعب سيحرم العراق من ثلث مساحة أراضيه الصالحة للزراعة وبالتالي يدفع بآلاف الفلاحين الى ترك مهنهم فضلاً عن تسببه بنقص الحصص المائية التي تؤثر سلباً على مجالات مياه الشرب بالإضافة على إنعاش الاهوار وحماية البيئة. يتساءل البعض عن أسباب قيام كل من الدولتين الجارتين المسلمتين بهذا الفعل اللانساني في هذه المرحلة التي يمر فيها العراق وشعبه مشكلة انخفاض منسوب المياه وشحتها وآثارها المدمرة على جميع الصعد والتي بدأت بوادرها تظهر في عدد من مدن العراق مع العلم ان هذا الفعل لم يحصل في السابق على الرغم من وجود مشكلات كثيرة كانت تعكس صفو العلاقات مع الجارتين على مدى التاريخ ، فما الذي تغير؟. إن أسباب ذلك كما نعتقد هي النظرة الفوقية لتلك الدولتين، حيث ان مغزى هذه النظرة تتجلى بان دولة العراق في الوقت الحاضر دولة ضعيفة مفككة غير مستقرة وفاقدة المقومات وعناصر القوة التي تجعلها في موقع تستطيع معه الدفاع عن حقوقها المشروعة والمغتصبة من قبل دول أخرى. إذن ما هو الحل لمعالجة المشكلة؟ الحل كما نعتقد هو بيد العراقيين أنفسهم ، فإذا ما توحدت الكلمة والموقف من قبل قادة الكتل السياسية الفاعلة وتبنيها خطاباً يصب في مصلحة العراق بعد ان يكونوا قد وضعوا خلافاتهم خلف ظهورهم وإيقاف الصراعات والتجاذبات، عندها تستطيع الدولة العراقية إن تقف على قدميها بقوة إمام الجانب الآخر وإفهام جيران العراق: تركيا وإيران وسوريا . وكنتيجة لمطالبة العراق في هذا الاجتماع أطلقت تركيا كمية من المياه ولو أنها ليست بالمستوى المطلوب إلا أنها تعتبر بادرة ايجابية نحو حلّ مشكلة شحة المياه التي يعانيها العراق. ولكن من جانب آخر وأمر مؤسف قامت الشقيقة سوريا بالاستحواذ على هذه الكمية المضافة من خلال تحويلها الى بحيرة (أسد) الواسعة في سوريا . إن هناك مصالح مشتركة بيننا وبين الجارة تركيا يجب احترامها وان هذه المصالح سوف تتأثر سلباً او إيجابا بخصوص مشكلة الماء المستعصية مع الجارة تركيا ، وإذا ما أصرت على موقفها المؤذي للعراق ، عندها يجب الذهاب أولا الى مجلس الأمن والأمم المتحدة والطلب إليهما الوقوف مع العراق ومساندة محنته لإصدار قرار يقضي بالطلب من تركيا إيقاف البدء بمشروع (الغاب) المذكور آنفاً والطلب أيضا منها إطلاق الحصص المائية المقررة سابقاً أو عدم حبسها بين فترة
مسؤولية جيراننا في شحّة المياه
نشر في: 4 ديسمبر, 2009: 04:38 م