انتهى المهرجان الأول للشعر الشعبي ليتبعه مهرجان ثان. حضره صدام أيضا لكن بعد نشوب الحرب مع ايران. تسلّم أصحاب الحقائب السود قطع الأراضي ومبلغ الـ 15 الف دينار. فيهم خمسة تسلموا 30 الفا وصاروا بمثابة شعراء"النخبة". في المهرجان الثاني لم تكن هناك حقائب ولا هدايا فقال قائل من أصحاب الحقائب "القهوائية" :لا تتأملوا شيئا "فالشاص شاص والحمل حمل".
من يومها لم يعد هناك شيء اسمه إبداع شعري بقدر ما كان جهدا استثنائيا للحصول على "التكريم". ومع كل هجوم يحدث من قبل ايران ويدحره العراقيون يصدر إعلان على الشاشة: على الشعراء الشعبيين التوجه الى قاعة الخلد. واحيانا قاعة أخرى نسيت اسمها ويقال أنها كانت في السابق مقر "محكمة الشعب" للمهداوي. ربما صار اسمها دار او قصر الثقافة. لست متأكدا. وكان الشعراء يأتونها من كل فج عميق.
صارت الوزارات والاتحادات والنقابات تقيم مهرجانات تدعو لها الشعراء الشعبيـين، في بغداد وخارجها، لدعم الحرب. لم تكن هناك حقائب بل "مظاريف" محشوة بالدنانير. تذكرتها، شكلا ومضمونا، حين قرأت ما كتبه مراسل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، رود نوردلاند عن المظاريف التي وزعت على الصحفيين العراقيين بحضوره. ضحكت من استغرابه وتعجبه ومنحته الحق ان يستغرب أيضا.
الظرف المحشو بالفلوس سنّة اعتاد عليها الشعراء الشعبيون من أيام مهرجانات الدم الشعرية، ويبدو انها ثابتة الى اليوم. صار الشاعر الذي تدعوه جهة ما يسألها قبل كل شيء: بيها ظرف لو لا؟ فان قالت لا، فقد يعتذر عن المشاركة او قد يهاجمها متهما إياها بقلة الحس!
أرجو ان لا تغضب البعض صراحتي لو قلت بانني ما شاهدت شاعرا شعبيا يلعلع بقصيدة أثناء أيام الحرب، أي حرب، الا ولاح لي ظل "ظرف" دسم بين أصابعه.
وهكذا صار تقييم الشاعر وفق نوع المسدس الذي "كرّم" به في المهرجان الأول، وحسب ثقل "المظاريف" التي نالها في المهرجانات التي تلته. هنا خطر ببالي سؤال خاطف:
لماذا يميل الطغاة الى توزيع المسدسات كهدايا، من أموال الشعب، لمن يمجدهم أو يواليهم؟ ما الذي نتوقعه من "المسدس": رقصة .. أغنية .. نسمة .. أم طلقة؟ وما علاقة الطلقة بالشعر؟
أبعدوهم ان كنتم لا تريدون لسحابات الدم ان تعود مجددا لتمطر أرض العراق. ابعدوهم فالجروح لم تندمل بعد. والدموع مازالت مالحة تؤرق العيون وتنذر القلوب بزلزال سبقته توابعه في أفق ليس ببعيد. قفوهم انهم مسؤولون.
الشعر الشعبي والدم: بيها "ظرف"؟
[post-views]
نشر في: 14 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
عبدالله
مرحباً لو سمحت، من هو الشاغر الشعبي قائل هذا البيت المكثف، الجميل: هاجَن يناهي عْليك جروحي كُلهِن شَلْحمْ شَشِلْ شلون شو كلي مِنهنْ تحياتي من الكويت
هاشم العقابي
تحياتي أخ عبد الله. البيت الذي ذكرته حضرتك نموذج من لون شعري فلكلوري نسميه بالعراق دارمي أو غزل البنات . لذا لا تُعرف قائلته شأنه شأن الكثير من ابيات الدارمي المغناة. وكما قلتَ نعم ان هذا اللون من الشعر يتسم بالتكثيف وعذوبة المعاني والصور. لقد كتبت ع