كان ككل غياب لا يغيب، متناثرا في ألم يعيد لحظة التشظي الى بدايات فضائها الأول، ويوقظ في الحواس دائرة عذابات لا تنتهي ، ولا تبدأ، إنها وجع مستديم ليس له من وظيفة سوى النظر الى ما أورثه إياه عمر الآباء المرير... بخيبة كان قوامها عائلة من 10 أفراد وحاجة

كان ككل غياب لا يغيب، متناثرا في ألم يعيد لحظة التشظي الى بدايات فضائها الأول، ويوقظ في الحواس دائرة عذابات لا تنتهي ، ولا تبدأ،
إنها وجع مستديم ليس له من وظيفة سوى النظر الى ما أورثه إياه عمر الآباء المرير... بخيبة كان قوامها عائلة من 10 أفراد وحاجة دائمة لأشياء لا تكون الحياة إلا بها، انه ، وهو يمشي مسرعا نحو الواقع اليومي، يظل متلفتا الى الوراء.. الى هناك_ حيث الأبناء _ بحنان قطة لم تلد إلا قبل 10 دقائق فقط.....لكل شيء توقّع إلا توقع رحيل محمود النمر.
رحيل الفقير فاجعة تُعيد كتابة إحدى مآسي مسرح اليونان القديم لأنه لا ينقطع عن انكشاف جروح وعوز التركة الثقيلة للبيت.

محمود في جريدة المدى منحنٍ على جهاز الكومبيوتر والمفارقة المضحكة... محمود والكومبيوتر
.............................................

فجأة الشاعر كاظم غيلان في غرفة علاء المفرجي (وكان كاظم قد علّم محمود بعض أوليات التعامل مع الكيبورد)
وفي تردد حلو كان يميز محمود، يبادر وهو على الباب بمخاطبة كاظم
_ جا.. خالي بعد (الثاء) ما اعرف وينها
فينهره علاء مازحا(أخ الـ... ابتلينا بيك.. متدخل الغرفة)
فيهجم محمود كعاصفة من حنان ويبوس علاء

_ جا يا بعد خالك غير ابو نبيل إيكول.
وفي وقت نهاية دوامه يأتي الى غرفة علاء ليخبره بانصرافه حاملا كيسا
فيقول له علاء
_ ها. أخ الـ... شتريد
ومحمود بتلك الابتسامة الخجولة
_خالي أرد أروح
_ وهاي شكو بالجيس؟
_ مغليه خالي اويه العرك بعد مينامون الفروخ

_ شنو يابه المغليه
فأشرحها لعلاء _ بالهور ايسمون اللبن مغليه.. وتلفظ بفتح حرفي الميم والغين
اقول له _ هاي شني خالي سنونك إمعدّله؟
فيهمس بأذني (جا مو ابو نبيل انطاني وسويتهن.. ويضيف ضاحكا وهسه انطاني 25 الف.. روح إكعد كعده زينه كلش)
عالم من البهجة كنا في أشدّ الحاجة اليه
شجاعة مذهلة كان

اندفاعا،لايتوقف عند حد في الدفاع عن صداقاته وقيمه وعن سياج اتحاد الأدباء،... وعندما تسأله
هاي شنو يابه البارحة مشكلتك؟
_ بعد خالك آني ما اكدر اسكت اذا واحد سب ابو شروق.. ليش ايسبوا؟... لأن شريف وموحرامي وميدوّر سفرات ومؤتمرات وفنادق.. ما كدرت وضربته.. تعذرني خالي
كم كانت حياتنا الصعبة بحاجة لمثل محمود النمر
طفولة مطر كان.. موعدا في موعده... ذهابا الى النهايات العذبة في كل شيء،
نسيان ما كان ضروريا جدا لكي يكون النهار عيدا فريدا
كيف يمكن ان يموت محمود؟.....إنه وهو في بساطته الفائقة يختزن عناصر ذكاء لا تُحصى، وطاقات خلق لا تموت.
الشاعر ريسان الخزعلي يبتسم وهو يقول... بالله اكو واحد ايصدّك محمود يكتب هيج شعر حلو؟... أقول له
جمالية الشعر الحقيقي هو أن يفاجئ المفهوم والتوقع واكتمال الرأي بنقصان يقول ما لا يقوله القول.
أرى ان الحياة الأكثر عمقا وضوءا وثراء وتجددا تحققها فيما تحققها بساطة وعفوية وبداهة حياة مثل حياة الشاعر والصحفي محمود النمر الحي والمتجدد في قوة موهبته، وعناصر شخصيته الرائعة.
كم أحبك يا محمود... كم أحبك يا طفل العواصف والبروق،
ويحبك الحب،
والقصائد، والغناء
وساحة الأندلس... والذهاب الحزين الى ليل مدينة الشعب
وأحمد المظفر
وعبد اللطيف الراشد،
والعراق المغدور والجريح مثلك ومثلنا أيها النمر

الأربعاء 9 تموز 20014