بدأت لعبة الفقراء بكرة الجوارب أو وفروا من مصروفهم لشراء كرة.
قبل هذا كانت لعبة في غاية الوحشية عندما لعب الرومان بجماجم أعدائهم. لكن الإنكليز هم من وضعوا قواعدها وأحكامها، وهم اليوم من أضعف الفرق بع أن أدهشوا العالم، عام 1966 في كأس العالم عندما فازوا بالكأس، ولم تزل أسماء أولئك السحرة في الذاكرة من أمثال بانكس حارس المرمى وشبه الوسط المهاجم الأصلع بوبي شارلتوني والبوبي الآخر، مور، المدافع، وهيرست المهاجم الساحر الذي صرح مرة بقوله: لا أرى كما يجب في الملعب عندما ألعب، كنت أرى أشباحاً فقط، لينتهي كحولياَ ويرحل كحولياً.
قذيفة كروية في الملعب غير قذيفة المدفع وهي تدك بيتاً عراقياً في صلاح الدين والفلوجة وتلعفر.. لكنني ألعب كرة القدم بالكلمات، اليوم، رغم أنف"داعش"وحلفائها وأمد لساني ساخراً من دولة طائفية وأرفع في وجهها الكرت الأحمر لأطردها من ملعبي وخيالي وقوانين لغتي.
الأغنياء اختطفوا حتى ألعابنا الحافية وكرة الجوارب وأصابع أقدامنا النازفة في الأزقة الضيقة وساحات المدارس، وصارت لعبة الفقراء إحدى أكبر ألعاب التجارة وربح المال وبيع اللاعبين وشرائهم، لكننا نكبر ونلعب في الملاعب الشعبية التي رفدت الفرق الكروية الكبيرة أبرز نجومها حتى المنتخب الوطني حلم الشبان القاسي لكن القابل للتحقق.
حلمت طويلاً بامتلاك كرة قدم حتى تلك الكرة المطاطية (أم ثلاثة دراهم كما كنا ندعوها في بغداد) وما أن بلغت مراهقتي لم أفوت فرصة متابعة اللعبة بدءاً من ساحاتها الشعبية في ملعب (العوينة) الشعبي ثم في ملاعب مدينة الثورة، قادماً من ملاعب الشاكرية وفريق (اتحاد فيوري) وصولاً إلى دوري الكرة العراقية لاحقاً.
لم تسعفني نقودي في دخول الملاعب، دائماً، حيث تجري مباريات النخبة:"الفرقة الثالثة"و"الخامسة"و"الشرطة"و"السكك"ومن ثم"البريد"لكنني حضرت أغلبها في ملعب الكشافة وبعده، بمعجزة، ملعب"الشعب الدولي"منذ افتتاحه عام 1968 في تلك المباراة الكبيرة بين المنتخب العراقي ونادي"بنفيكا"البرتغالي التي فاز فيها الأخير بهدفين لهدف واحد سجله اللاعب الضابط في القوة الجوية قاسم محمود (قاسم زوية).
شجعت فريق"السكك"و"البريد"وبينهم أصدقاء شخصيون لي مثل رسن بنيان وكاظم لعيبي، ولاحقاً رفيقي في أنصار الحزب الشيوعي في كردستان (الثمانينات) اللاعب الفنان كاظم عبود (جبر).
صحيح ثمة سحرة شبان، اليوم، مثل ميسي ورولاندو وروبين الهولندي، الذي لم يأخذ حقه كأبرز لاعبي العالم، هذه الأيام، وأزعم أن السبب يعود إلى أن الكرة الحديثة باعتماد اللعب الجماعي الحديث حدّت من بروز المهارات الفردية للاعبين على أهميتها القصوى في إبداع لحظة مدهشة تشبه لحظة القصيدة وهي تسجل هدفها في مرمى القارئ.
لنتحدّ الموت ونتمتع بالمونديال ونرمي الكرة باتجاه مرمى السياسة ونحرج ذوي الكروش والشعر المصبوغ بكرتنا النزقة وهي في الطريق إلى الهدف. كرة القدم في المونديال مهرجان الفرح الذي يفرض على جميع المتحاربين وقفاً لإطلاق النار لأن الأطفال يلعبون كرة القدم في الشوارع والأزقة، وربما داخل الغرف، ساخرين من الآباء المولعين بالحروب وسائر الألعاب الخشنة التي تكسر العظام من دون أن يعتذر أحد من أحد كما قبّل اللاعب الأمريكي خصمه الغاني رغم أن الأخير هو المتسبب بالخطأ!
نأت كرة القدم بنفسها عن السياسة في العالم المتحضر: نحن نلعب فقط لا نحارب! لكن في العراق أُعدم البعثيون لاعبي كرة قدم أشهرهم الدولي (للمفارقة من فريق الشرطة) بشار رشيد بتهمة الشيوعية!
لنلعب، إذن، لكن بكرة قدم عادية وليس بجماجم أعدائنا، كما في القرون الوسطى.
المونديال.. قصيدة جماعية
[post-views]
نشر في: 14 يوليو, 2014: 09:01 م