مع كل انتخابات تُجريها أجنحة ائتلاف المعارضة السورية، يتم فتح صندوق الاتهامات المتبادلة بالتقصير والعمالة وعدم الكفاءة، حتى أن ميشيل كيلو وهو من الوجوه البارزة في المعارضة، اتهم هادي البحرة وأحمد الجربا، الرئيسين السابق واللاحق للائتلاف، بالمسؤولية عن هزائم الجيش الحر، وأكد أن الثورة توشك أن تنتهي، وكشف أن الائتلاف محطُ احتقار السوريين، وطالب البحرة بابتداع خط مغاير عن خط الجربا، لأنه بغير ذلك ستكون النهاية، وأكد كيلو ضرورة وأهمية محاسبة الرئيسين على كل كبيرة وصغيرة، بسياسة بنّاءة تقوم على المعارضة المفتوحة.
لم يكن هناك من ينتظر انتقادات كيلو، ليعرف بأن الائتلاف وصل إلى الدرك الأسفل، وتراجع أي وزن له، تحت ضغط الإصرار على الحل العسكري، وتراجع مجرد التفكير بحلول سياسية، وبسبب الموقف الدولي المتخاذل عن التدخل لوقف المجزرة، مع أن هذا الائتلاف عوّل كثيراً على العامل الخارجي للوصول إلى أهدافه، ما دفع معظم مكونات الائتلاف للرضوخ لمطالب ذلك الخارج، والعمل على نهج حساباته وتوقيتاته، صحيح أن للعامل الخارجي دوره المؤثر في بؤر التوتر الكبيرة، بآثارها القادرة على التمدد خارج الجغرافيا الوطنية، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك الدور بالنسبة للأزمة السورية، ظل مرتبطاً بمجموعة من القضايا، لعل أبرزها موقف ومصلحة إسرائيل من تلك الأزمة، باعتباره أولوية يحرص الغرب على تبنيها في كل الأمور.
هنا يبرز السؤال عن جدوى تخلي المعارضة عن سلميتها، واللجوء إلى العسكرة بزعم الدفاع عن الحراكات الشعبية، بينما تؤكد الحقائق أنها بذلك دخلت في لعبة ليست مؤهلة للعبها قبل التفكير في الفوز بها، فانعزلت عن قواعدها المتعاطفة، رغم علمها بأن ميزان القوة العسكرية يميل لصالح النظام، المتمتع بتأييد عملي ومادي من قوى إقليمية ودولية تجد مصلحتها باستمراره، وفتح باب العسكرة الذي حذرنا منه حدود بلاد الشام أمام الجهاديين من كل بقاع العالم، وهم يفتشون عن ساحة لرفع راياتهم السوداء، وكانت النتيجة تهميش المجتمع المدني، وخسارة رافضي العنف المؤمنين بثورة شعبية حضارية، تطالب بالحرية والكرامة، والهرب من الواقع إلى استجداء التدخل العسكري الخارجي، أو على الأقل تزويد الجيش الحر بأسلحة نوعية، لن تكون نتيجته غير الدخول في حرب أهلية، يدفع ثمنها الأبرياء من السوريين.
الاستسلام لوهم التدخل الخارجي، كما حصل في ليبيا واليمن، قاد الائتلاف لعدم الاهتمام بالتطورات الداخلية، وحراك الناس وهمومهم، ويبدو أن حياة الفنادق استهوت قياداته، التي باتت تفضل العمل بالريموت كنترول، متغاضية عن اتخاذ موقف واضح من تنامي الجماعات الجهادية المتطرفة، مستخفةً بتأثيرها وقدرتها على النمو المتسارع، حتى أن إحدى جُمع التظاهرات سميت باسم جبهة النصرة، التي حظيت بتأييد بعض قادة المعارضة، فدافعوا عنها حين أدرجتها واشنطن في قائمة المنظمات الإرهابية، وانصرف آخرون لتأييد تشكيلات عسكرية تدعو إلى الدولة الإسلامية، وكأنهم غير مدركين لحجم ردود الفعل الطائفية، الناجمة عن تجاوزات تلك التشكيلات في المواقع التي تسيطر عليها.
أن يقود ائتلاف، الأغلب من أعضائه لا علاقة لهم بالثورة، يبحثون عن مصالحهم وأرزاقهم، لايُعفي المنتقدين اليوم من مسؤوليتهم، وهم يسعون اليوم لتبرئة أنفسهم، وإلقاء اللوم على الآخرين، إلا إن كان الهدف الحقيقي استخلاص العبرة، والقيام بمراجعة تستهدف الكشف عن مكامن الخلل، والعودة إلى دائرة الفعل، بما يخدم مصلحة الشعب السوري، ولا يصب الحب كلّه في طاحونة القادة الطارئين ومصادر تمويلهم.
المعارضة السورية والطريق إلى الهزيمة
[post-views]
نشر في: 14 يوليو, 2014: 09:01 م