TOP

جريدة المدى > عام > مـــــاذا بــــقــــي مــــن 14 تــــمــــوز الفرنسيــــــــة؟!

مـــــاذا بــــقــــي مــــن 14 تــــمــــوز الفرنسيــــــــة؟!

نشر في: 15 يوليو, 2014: 09:01 م

لقد كان الاستيلاء على حصن الباستيل، و هو رمز السلطة الملكية الاستبدادية في فرنسا، ذا أهمية ثورية من دون شك، بمعنى إضعاف النظام الملكي و شرعنة العصيان الشعبي. لكن أياماً أخرى كان لها ادعاؤها العادل بالرمزية التاريخية أيضاً : 26 آب 1789، حين تم تبني إع

لقد كان الاستيلاء على حصن الباستيل، و هو رمز السلطة الملكية الاستبدادية في فرنسا، ذا أهمية ثورية من دون شك، بمعنى إضعاف النظام الملكي و شرعنة العصيان الشعبي. لكن أياماً أخرى كان لها ادعاؤها العادل بالرمزية التاريخية أيضاً : 26 آب 1789، حين تم تبني إعلان حقوق الإنسان، على سبيل المثال، أو 10 آب 1792، حين اكتسحت الجماهير قصر التويلري و أوقف العمل بالنظام الملكي. علاوة على ذلك، كان من النادر أن يبدأ الاحتفال بـ 14 تموز بروحٍ ثورية. فقد بدأ تحديد الاحتفال بذكراه السنوية الأولى في عام 1790 بمهرجان عسكري، و لغرض الاحتفال بالتنظيم الدستوري الجديد، قام الماركيز دي لافييت، و هو جنرال فرنسي، بأداء القَسَم التالي : " أن أكون أبداً مخلصاً للأمة، و للقانون، و للملك ". و قد وصف جان ـ بول مارا، و هو صحافي و سياسي راديكالي، أحداث ذلك اليوم، و هو مفزوع، بأنها " مُخجلة "، و أضاف : " لقد كانت الثورة، كما هي لحد الآن، مجرد حلم محزن بالنسبة للشعب "!
و كما يستذكر السيد كريستوفر بريندرغاست في كتابه عن تلك الأحداث، فإن سقوط الباستيل لم يكن بالتمام مادة الأسطورة الملحمية. إذ لم " يؤخذ " السجن، على وجه الدقة؛ فقد تدفقت الجماهير إلى ساحته الداخلية فقط بعد أن تقدم الحاكم، الماركيز دي لوناي، بعرضٍ للاستسلام. و مع أن الحشد كان يبحث في الأول عن أسلحة، فإنه لم يجد إلا سبعة سجناء ليحررهم. و قد ميّزت الحدث " الطارئية، و جنون الاضطهاد، و العنف العشوائي "، مع الإشاعة و الإشاعة المضادة التي كانت تغذي الأعمال الوحشية الضارية. و قد جرّت الجماهير لوناي نفسه و قطَّعت جسمه إلى قطع صغيرة و قام طبّاخ بفصل رأسه، قبل أن يُثبَّت على رأس حربة ليشاهده الناس.
و لقد أبطل نابليون بونابرت الاحتفال بـ 14 تموز كلّيةً. و قد أعيد بعثه باعتباره " يوم الباستيل " فقط من عام 1880، أي بعد قرنٍ تقريباً من وقوع الأحداث الأصلية. ثم جاءت فكرة، من اقتراح النائب بينجامين راسبيل، لإقامة " مهرجان وطني " كجزء من حزمة أمور جمهورية تتضمن أيضاَ تبني " المارسيليز " باعتباره النشيد الوطني الفرنسي. و قد ألّفه كلود ـ جوزيف ليسل، و هو مهندس شاب كان مع جيش الراين، و ذلك في ليلةٍ واحدة في عام 1792. و كان النواب قد ناقشوا في عام 1880 بصورة عاطفية مسألة الوقت المناسب لـذلك " المهرجان الوطني ". و لم يقترح أحدٌ، كما يبيّن المؤلف، يوم 22 أيلول 1792، و هو التاريخ الفعلي لتأسيس الجمهورية الفرنسية الأولى، و ذلك خوفاً من شرعنة ( الإرهاب ) الذي أطلق من عقاله.
فكان 14 تموز بالتالي حلاً وسطاً أو تسويةً سياسية للأمر. فقد وحّد ما بين رسالة ثورة 1789 و رسالة الوحدة و المصالحة الوطنية المعبَّر عنها بمهرجان الذكرى السنوية في 1790. و من أجل المساعدة على معالجة جراح هزيمة الحرب الفرنسية ـ الروسية، إلى حدٍ ما، أُعطي يوم الباستيل مسحةً عسكرية تستمر إلى يومنا هذا، ليلّفَّ بصورةٍ خيالية قومية " وحدة الجيش و الأمة تحت العَلَم ".
و منذ ذلك الحين، و في لحظات مختلفة من التأزم في التاريخ الفرنسي، جرى استثمار ( يوم الباستيل ) برسائل متنوعة، وفقاً لمتطلبات الفترة ، منها تضامن الطبقة العاملة و الوعد الثوري بالجبهة الشعبية و حكومة ليو بلو Léon Blum في عام 1936؛ و التحرير من الاحتلال و أسطورة المقاومة ــ الثورة في عام 1945.
أما اليوم، فهي أبهة فارغة على الأغلب، مع مسحة متباطئة البقاء من المهرجان الشعبي. لكن المؤلف لا يستطيع أن يُخفي ازدراءه لِما يعتبره قد أصبح " شأناً مصطنعاً تماماً، متحنّطاً على نحوٍ متقدم في شعيرة رسمية متناغمة تنسقها مقامات عليا و فن إعلامي متدني المستوى ". و هو، على كل حال، ربما لا يشكل بالنسبة للفرنسيين الآن أكثر من يوم عطلةٍ بشكلٍ أساسي!
 عن: The Economist

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر
عام

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حاوره: علاء المفرجيرواء الجصاني من مواليد العراق عام 1949، -أنهى دراسته في هندسة الري من جامعة بغداد في عام 1970، نشط في مجالات الاعلام والثقافة والفعاليات الجماهيرية داخل، -العراق حتى العام 1978، وفي الخارج...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram