1-2
أكثر من نصف قرن مضت على الأكاديمية السويدية وهي تحافظ على سرية ملفاتها، "الإبقاء على ملفاتنا مغلقة"، كان ذلك واحداً من القرارات التقليدية التي لها علاقة بطبيعة عمل الأكاديمية، إذ من غير الممكن، أن يعرف العالم أو يطلع الصحافيون على الأقل الميكانيزم أو الحيثيات التي تستند عليها الأكاديمية أو لجانها في اختيار أحد المرشحين لأعلى واشهر جائزة عالمية: جائزة نوبل، خصوصاً جائزة نوبل للآداب، إذ يكفي وجود أحد على قائمة المرشحين لها، حين لا نريد الحديث عن الحصول عليها، لكي يتحول إلى شخصية يُشار لها بالبنان عالمياً. صحيح أن السرية والتكتم على عمل الأكاديمية أضافا إلى سمعتها هيبة لا توصف، لكنهما من الناحية الأخرى صبا الزيت في نار التكهنات والإشاعات، لا ننسى ترديد العرب دائماً، كيف أن أصابع "صهيونية" خفية تتحكم في عمل الجائزة، كلما فاز فيها كاتب غير عربي!
أحد الكتاب الذين اختلف عليه عند إعلان اسمه بصفته الفائز بجائزة نوبل، كان الكاتب الروسي بوريس باسترناك، صاحب رواية "دكتور زيفاكو"، وقبلها مجموعة قصصية للأسف ضاع صداها للأسف وسط جعجعة جائزة نوبل و"الدكتور زيفاكو" ولم يتناولها النقاد بالتحليل، أقصد مجموعته التي أثرت على العديد من جيلي: "الطرق الهوائية"!
منذ فترة قصيرة أصبح بالإمكان الاطلاع على ملفات عام 1958، السنة التي فيها حصل فيها بوريس باسترناك على جائزة نوبل للآداب عن روايته "دكتور زيفاكو"، والتي صدرت في الحقيقة قبل ذلك التاريخ بعام واحد فقط. فترة قصيرة بالأحرى، لكي يصبح كاتب ما مستحقاً بالحصول على الجائزة بسبب رواية معينة وليس لغيرها. إلقاء النظرة المتفحصة على الملفات ودراستها بشكل مترو قام بهما الصحفي السويدي المعروف كاي شويلير، محرر صفحة الثقافة في الصحيفة السويدية اليومية الواسعة الانتشار "سفينسكا داغبلات"، وما عثر عليه الرجل، يقترب من قصص المغامرات التي رأيناها في أفلام التشويق والمطاردات البوليسية.
فحسب ما كتبه الصحفي السويدي، كانت الجلسة النهائية الحاسمة لمنح جائزة نوبل وتسمية الفائز قد انعقدت في 25 سبتمبر / أيلول 1958، وليس كما هو معتاد في بداية شهر أكتوبر. في ذلك اليوم بالذات قررت لجنة الاختيار في الأكاديمية، حجب الجائزة عن المرشحين الآخرين، اللذين كانا في الحقيقة يتنافسان لوحدهما بالحصول على الجائزة، (قبل دخول الروائي الروسي بوريس باسترناك وفي اللحظات الأخيرة على الخط)، وهما الروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا والروائية السويدية كارين بليكسين (لن يحصل أي واحد منهما على الجائزة حتى في السنوات اللاحقة)، بدل ذلك قررت اللجنة منح الجائزة للروسي بوريس باسترناك. الصحفي والكاتب "أنديرس أوستلينغ"، والذي شغل في ذلك الوقت منصب السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية، كتب في دفتر الملاحظات الخاص بالأكاديمية ما يلي: "الدراسة (وهو يقصد دراسة قدمها أحدهم غيره عن الرواية)، حتى إذا كانت عن طريق يد ثانية، قوت مساهمتي بإقناع بقية أعضاء اللجنة، بأن بوريس باسترناك هو أحد أهم الكتّاب العالميين في الوقت الحاضر، لقوة جسارة نثره، ومهارته الفنية الروائية". رأي يتناقض مع ما صرح به الناطق الرسمي ذاته قبل عام من كتابته تعليقه ذلك في دفتر الملاحظات، بأن باسترناك – الذي مُنع من النشر بعد ذلك في الاتحاد السوفيتي السابق – ينتمي إلى قائمة أولئك الكتّاب الذين منحهم جائزة النوبل من الممكن أن يجد "عند الشعب صداه"، وقول "من الممكن" يعني أن المتحدث لا يتحدث هنا عن قناعة تامة! التقييم هذا لم يكن غريباً طبعاً، فهو جاء متطابقاً مع آراء سابقة للأكاديمية، منذ أن صرح أحد مسؤوليها للمرة الأولى في عام 1946، في تعليق له على كتابات لويس باسترناك أو إذا كان أحد الأسماء على قائمة المرشحين، بأن ليس هناك العديد من الكتّاب الذين "يكتبون كثيراً، ما لا يمكن فهمه"، مثل باسترناك. ولكن ما هو السبب الذي جعل الأكاديمية تغير رأيها؟ الجواب سأتناوله في عمود الأسبوع القادم
يتبع
الدكتور زيفاكو.. قصة لا تخلو من التشويق
[post-views]
نشر في: 15 يوليو, 2014: 09:01 م