لم يكن مقدراً للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الاستمرار إلى ما لانهاية، تحت نظر العالم وضد إرادته، ولذلك أعلنت إسرائيل وقف النار من جانب واحد، مستجيبة للمبادرة المصرية التي ترفضها حماس، وهي تأتي ضمن حزمة مبادرات شاركت فيها واشنطن، ضمن حراك أوروبي تركي، وربما يكون الهدف الأسمى منع الغزو البري للقطاع، بما يحتمله من نتائج غير محسوبة، في إقليم لايعيش إلاّ على قلق، وقد منح حماس فرصة ذهبية لم تحسب حكومة نتنياهو حسابها، فرفعت سقف شروطها للعودة إلى ما كان سائداً من تهدئة، وتمثلت بوقف الهجوم جواً وبراً، ورفع الحصار وفتح معبر رفح بشكل دائم، وحل معضلة تدفق الأموال إلى غزة، وحماس هنا تسعى لفرض شروطها، ليس على إسرائيل فقط، وإنما على مصر أيضاً، وكأنها أحرزت نصراً مؤزراً لتتمكن من فرض تلك الشروط.
في حالة اللجوء إلى العقل والحكمة، فإن المبادرة المصرية، التي تأتي تتويجاً لجهود مكثفة، بذلتها القاهرة مع مختلف الأطراف المعنية، تبدو منطقية وهي تدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار، يلتزم به الجانبان، ويتبعه فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية ، مع ترك باقي القضايا، بما في ذلك موضوع الأمن لتبحث لاحقا مع الطرفين، وفي حال موافقتهما على المبادرة ووقف النار، يتم استقبال وفود إسرائيلية وفلسطينية في القاهرة لاستكمال مباحثات تثبيت وقف إطلاق النار، والعمل على إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، على أن تتم المباحثات مع الطرفين كلاً على حدة، بشرط التزام الطرفين بعدم القيام بأى أعمال، تؤثر سلبياً على تنفيذ التفاهمات، وتحصل مصر على ضمانات من الطرفين، بالالتزام بما يتم الاتفاق عليه، وهي تتابع التنفيذ لمراجعة أى من الطرفين، حال القيام بأى أعمال تعرقل استقرارها.
حماس وقد أخذتها العزة بالإثم رفضت المبادرة المصرية، وهي بحكم ذيليتها لجماعة الإخوان المسلمين، تفضل أن تتولى قطر أو تركيا إدارة المفاوضات بينها وبين إسرائيل، وهي تقفز على حقيقة أن مصر طرف أصيل في حل مشاكل القضية الفلسطينية، بحكم الجوار الجغرافي مع القطاع أولاً، ولأنها غير قادرة على الخروج من المعادلة، وبين يديها الكثير من الأوراق سواء مع الفلسطينيين أو الإسرائيليين، وإذا كانت حماس تلعب لعبة خطرة، في رفضها المبادرة المصرية، وتفضل عليها دوراً مدفوع الثمن من مشيخة قطر، فإن البوصلة الإسرائيلية تتجه صوب واشنطن، باعتبار أن الأميركيين وحدهم القادرين على خلق الآلية التي تنهي الأمر على الطريقة اللبنانية، "لاغالب ولا مغلوب"، وبحيث تكون إسرائيل لقنت حماس درساً، بينما تستعيد هذه علاقتها بالعالم، والمؤكد أن قطر لن ترفض طلباً أمريكياً بتمويل هذه الهدنة، وهي لن تعني خسارة باهظة لحماس، التي لن تتنازل عن صواريخها، وإن لم تكن تحمل حجارة من سجّيل.
حماس وإسرائيل.. هدنة وتفاهمات
[post-views]
نشر في: 15 يوليو, 2014: 09:01 م