محمد ... حينما اتصل بزميله ليخبره بتعيينه في إحدى مؤسسات الدولة ، وقبل أن يهنئه على التعيين بادره زميله بسؤال غريب عجيب ( شكد دفعت ؟) ، ولمن لا يعرف سبب هذا السؤال نقول ان أي تعيين هذه الأيام لا يتم بدون دفع عشرات الأوراق ( الخضر ) أي الدولارات
محمد ... حينما اتصل بزميله ليخبره بتعيينه في إحدى مؤسسات الدولة ، وقبل أن يهنئه على التعيين بادره زميله بسؤال غريب عجيب ( شكد دفعت ؟) ، ولمن لا يعرف سبب هذا السؤال نقول ان أي تعيين هذه الأيام لا يتم بدون دفع عشرات الأوراق ( الخضر ) أي الدولارات لأجل الحصول على أمر تعيين ، وربما بعد التدقيق يتبين ان أمر التعيين ذاك ... مزور ... حينها لم يجد هذا (المكرود) الباحث عن التعيين سوى ترديد مقولة قديمة ( راحت فلوسك ياصابر ) !!
من مقدمة هذا التحقيق يتبين بأن موضوعنا يتعلق اليوم بالتعيينات ، هذه المهمة التي أصبح لها (متعهدون) البعض منهم متعهد حقيقي يمتلك معارف متنفذين في أغلب دوائر الدولة وهذا ( المتعهد ) يستطيع فعلاً توفير التعيين لمن يرغب به مقابل عشرات الأوراق ( الخضر) ، ومتعهد آخر ( وهمي ) لكنه يمتلك من الذكاء والفهلوة واللسان الطيب ما يجعلك تصدق بكل وعوده لك بالتعيين ليتبين في ما بعد بأنه ( نصّاب ) وهو عاطل ويبحث عن عمل أيضا !!
معقّبون ... نصّابون
إذن .... ما الذي يفعله الباحث عن التعيين ؟ هذا الشخص الذي أنهى دراسته الجامعية ويريد الآن التعيين ليحصد ثمرة جهده وعمله وتعبه، لكن أين هو التعيين ما دام هناك روتين قاتل في إجراءات التعيين ،لذا يتجه البعض إلى ( المعقبين ) الذين يتضح في ما بعد بأنهم نصابون ليس إلاّ !
إذن .. تعالوا نلتقِ ببعض المعنيين لنتعرف أكثر فأكثر عن شبكات النصابين أولئك الذين يوهمون الباحثين عن فرص العمل بوعود لا تتحقق على ارض الواقع ولنتعرف اكثر حينما نلتقي أيضا ببعض الباحثين عن العمل .
في البدء لابد من القول ان التقديم إلى دوائر الدولة للتعيين يتم من خلال ثلاث نوافذ ، أولاً التعيين المباشر أي حمل طالب التعيين لفايل أوراقه ليتجول بين دوائر الدولة طارقاً الأبواب عسى ولعل يحصل على فرصة تعيين ولو في الأحلام !!
أما النافذة الثانية فهي التقديم عبر الإنترنيت وهي طريقة أثبتت فشلها لكثرة التزوير فيها ولكثرة المحسوبية والمنسوبية فيها أيضا ، أما الطريقة الثالثة فهي الأكثر ضماناً حيث لايجد الباحث عن التعيين سوى هذه الطريقة وهي التي تجبر الشخص على طرق أبواب المعقبين وأولئك المتنفذين الذين لهم علاقات مع أصحاب الشأن في هذه المؤسسة أو تلك ، حينها يجد طالب التعيين نفسه أمام هؤلاء ليسلمه فايل أوراقه مع أوراقه ( الخضر ) لينتظر أمر تعيينه الذي يأتي وربما لا يأتي ليكتشف أن هذا المعقب ( نصاب )!
كل الأبواب مغلقة
وقبل أن أبدأ لقاءاتي مع بعض الباحثين عن العمل كان لابد لي ان أسأل زميلي عن الحال الذي أوصل ابنه الخريج الجامعي للعمل ( منظفاً ) في أمانة بغداد ؟
زميلي قال: وماذا اعمل حينما تغلق كل الأبواب بوجهي وبوجه ابني الذي انهى دراسته الجامعية وأراد ان يبدأ حياته العملية ، طرق كل أبواب مؤسسات الدولة بحثاً عن فرصة تعيين دون جدوى ، وفي غمرة البحث عن تعيين أعلنت أمانة بغداد عن حاجتها إلى عمال وقتيين للعمل في تنظيف الشوارع والأحياء السكنية والتجارية ، فلم يكن أمامنا إلا التقديم إلى أمانة بغداد ليبدأ ابني خريج الكلية عمله الميداني في التنظيف!!
حسنا ... تعالوا نلتقِ ببعض الباحثين عن فرص تعيين لنتعرف على معاناتهم خلال بحثهم ذاك.
المواطن هادي حسون خريج كلية القانون والسياسة منذ خمس سنوات قال :-
كل عام يتخرج آلاف الطلبة من جامعات العراق وكلهم يبحثون عن عمل
لكن أين هي فرص التعيين إذا كان هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه حيث أغلب إن لم أقل كل المعامل والمصانع متوقفة عن العمل ، حينها لم يكن من فرصة سوى التوجه إلى القطاع الخاص الذي نراه متخوفا من الوضع الأمني ،لذا فإن فرص التعيين هي الأخرى ضعيفة في القطاع الخاص .
وأضاف : لذا فان أغلب الباحثين عن العمل يبحثون عن المعقبين والمتنفذين أولئك الذين يستطيعون توفير فرصة عمل للبعض حتى وإن كان الثمن دفع العشرات من الأوراق ( الخضر ) !
الغريق يتعلّق بقشّاية
في حين تحدث المواطن بكري قاسم خريج كلية الآداب /قسم التاريخ الذي قال :-
الغريق يتعلق بالقشاية كما يقول المثل ، لذا وبعد فشلي في إيجاد فرصة تعيين في أي دائرة ، نصحني زميل لي بالتوجه إلى المعقبين أولئك الذين يمتلكون العصا السحرية في إيجاد فرصة عمل بعد الاتفاق معهم على المبلغ المالي الذي يتوجب عليّ دفعه حين تسلمي أمر التعيين .
وأضاف:هؤلاء المعقبون أنواع ... منهم من تجده يقف بين كتّاب العرائض ومنهم من يجلس في مقهى معين وتستدل عليه من خلال كتّاب العرائض أو من خلال عمال الخدمة في الدائرة المعنية ، أو نرى بعض المعقبين في أماكن بعيدة عن المؤسسة المعنية وتستدل عليه من خلال المعارف الذين سبق أن حصلوا على تعيين من خلاله ، وهؤلاء غالبا ما يكونون متنفذين ولهم علاقات مع المسؤولين في الدولة .
ولكن ...
أقول ،ولكن حينما التقيت ببعض الباحثين عن فرص عمل وجدت أنهم وقعوا ضحية نصب واحتيال من بعض هؤلاء المعقبين الذين يمكن ان نسميهم (نصابين ) فكيف ذلك ؟
لنكمل القراءة ...
البحث عن فرص عمل
علي الساعدي قال : كنت أبحث عن فرصة تعيين إلا أني فشلت فلم يكن أمامي إلا طرق أبواب المعقبين ، وفعلا اتصلت بأحدهم حيث اتفقنا على أن ادفع له 30 ورقة أي ثلاثة آلاف دولار بعد ان يسلمني أمر التعيين ، وفعلا اتصل بي بعد فترة شهر ليخبرني بان المعاملة أنجزت وأمر التعيين صدر وما عليّ إلا توفير المبلغ لأتسلم أمر التعيين وتم الاتفاق على موعد معين ومكان التسليم .
ويضيف: وفي اليوم المحدد ذهبت إلى المكان المعين ووجدت المعقب وبيده أمر تعييني ، تناولته وقرأته كان كل شيء فيه صحيحاً من الاسم والتوقيع والختم وبعد تأكدي من ذلك سلمته المبلغ المالي حسب الاتفاق .وفي اليوم الثاني ذهبت إلى الدائرة التي تعينت فيها ، وأنا كلي أمل باني سأبدأ حياتي العملية ، دخلت الدائرة وسلمت أوراق تعييني إلى موظف الاستعلامات الذي استغرب من الأمر حينما أخبرني بأن لا تعيينات في دائرتهم ، إلا أنني طننت بأن موظف الاستعلامات لا يعرف شيئا فرجوته بأن أذهب إلى قسم الموارد البشرية في الدائرة المعنية ، وفعلا ذهبت إلى المسؤول هناك لاكتشف ان أمر تعييني مزور وانه فعلا لا توجد تعيينات في الدائرة ، اتصلت فورا بالمعقب المعني لأجد ان الهاتف مغلق ، وهكذا ( طارت ) فلوسي مثلما طارت أحلامي في التعيين.
لكن .... مهلا هل التعيينات تخص الذكور فقط ؟ لا طبعا إذ ان الآلاف من النساء يبحثن عن عمل وتعيين ، فماذا عن هؤلاء ؟
تعالوا نتعرف على معاناة الفتيات الباحثات عن التعيين
المواطنة إيمان فاضل قالت : تخرجت من كلية العلوم من ست سنوات ومنذ ذلك الوقت وأنا أتخبط بين طرق أبواب الدوائر أحيانا وبين طرق أبواب المعقبين حينا آخر ، وكل محاولاتي تلك باءت بالفشل .
وتضيف:كانت إحدى زميلاتي قد تعينت في إحدى دوائر الدولة وحينما سألتها عن كيفية حصولها على فرصة العمل تلك أرشدتني إلى أحد المعقبين الذي اتصلت به فعلا واتفقنا على مبلغ معين أسلمه حين تسلمي أمر التعيين ، وبعد فترة اتصل بي المعقب طالباً جزءاً من المبلغ المتفق عليه لتمشية المعاملة ، وفعلا سلمته عشر أوراق خضراً أي ألف دولار ، وحينما اتصلت به بعد فترة بدا يتعلل بهذا السبب أو ذاك ، وبأن كل الموظفين المعنيين يريدون حصة لذا طلب مني مبلغاً آخر إلا أنني رفضت لأكتشف ان بعض المعقبين ربما ينجحون فعلا في تعيين احد الأشخاص من خلال المعارف وبعض المتنفذين لكنهم يفشلون في المرات القادمة ، لذا استطيع القول ان هناك عصابات ومافيا من النصابين والمعقبين الذين هم أصلاً يبحثون عن عمل فكيف يوفرون فرصة عمل للآخرين؟ !
عقوبات رادعة
الحديث عن التعيينات طويل وشائك ، لكن نتساءل ألا يوجد رادع لهؤلاء المعقبين ؟ ألا توجد عقوبة معينة توقف المعقبين عن عملهم في خداع المواطنين؟
لأجل معرفة الإجابة عن سؤالنا هذا كان لابد من اللقاء برجل قانون ،وكان اللقاء بالمحامي مروان خالد في محكمة الرصافة الذي قال :-
نعم .... هناك عقوبات رادعة بحق هؤلاء المعقبين الذين يعتبر عملهم احتيالا. وقد نص قانون العقوبات في مادته ( 456) على ما يأتي :-
1-يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير أو إلى شخص آخر وذلك بإحدى الوسائل الآتية :-
أ-استعمال طرق احتيالية.
ب-اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرير امر كاذب عن واقعة معينة و كان من شأن ذلك خدع المجني عليه وحمله على التسليم .
2-ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على تسليم أو نقل حيازة سند موجد لدين أو تصرف في مال أو إبراء أو على أي سند آخر يمكن استعماله
لإثبات حقوق الملكية أو أي حق عيني آخر ، أو توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على توقيع مثل هذا السند أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله .
الطريف أنني حينما كنت أكتب تحقيقي هذا جاء زميلي ليخبرني بمعلومة كانت خافية عني ، ولم أنتبه إليها حيث قال ،إن هؤلاء المعقبين لا يعملون فقط على التعيينات ، بل لهم عمل آخر .
*قلت : وما هو هذا العمل الجديد لهؤلاء المعقبين ؟
ابتسم زميلي ليضيف قائلا : هل تعلم ان بعض أفراد الجيش والشرطة وقعوا ضحايا هؤلاء المعقبين !
قلت عجبا : هل هذا معقول؟ وكيف ذلك؟
أجاب زميلي : أتعلم انه بين فترة وأخرى تكون هناك تنقلات بين القوات المسلحة سواء في وزارة الدفاع أم الداخلية حينها يبحث رجل الشرطة أو الجيش المنقول عن واسطة ليبقى من خلالها في مكانه ( المريح ) وهنا يبحث هؤلاء ( المنقولون ) عن معقب أو متنفذ أو معارف ليخلصهم من التنقلات هذه إلا أنهم غالبا ما يقعون ضحايا هؤلاء المعقبين .
إذن ... نقول إلى هنا تنتهي لقاءاتنا ، لكن موضوعنا لم ينته بعد ،إذ لا بد من وضع حد صارم لهؤلاء المعقبين من قبل الدولة ، ونتمنى ألا يكون هذا الحد من قبل لجان النزاهة في مؤسسات الدولة التي أثبتت الوقائع أن هذه اللجان هي الأخرى ضالعة في ملفات الفساد ،ونتمنى ألا تكون مكاتب المفتشين العامين ضالعة هي أيضاً في تلك الملفات ،حيث أثبتت الوقائع أن هذه المكاتب حلقة زائدة تضاف إلى أقسام وشُعب الدوائر المترهلة أصلاً .
