TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حصان الخليفة

حصان الخليفة

نشر في: 15 يوليو, 2014: 09:01 م

تفقد أوضاع الرعية والوقوف على احتياجاتهم ، ومطالبهم كان واحدا من الأساليب السائدة في زمن إدارة الدولة من قبل الخلفاء والسلاطين والأمراء والملوك ، فيقومون بجولات ليلية متنكرين مع حاشيتهم  يجوبون الأزقة ، مع عناصر حماية تكون عادة خارج المشهد وتكتفي بالمراقبة من بعيد ، لكي لاتثير الشكوك ، وتفضح اللعبة ، وللكاتب  السوري الراحل سعد الله ونوس مسرحية بعنوان "الملك هو الملك" ، تناول فيها شخصية الحاكم ، سواء أكان متنكرا او اختار له بديلا ليشغل منصبه ليوم واحد فقط لتبديد الملل ومعالجة الضجر ، فكانت  النتيجة ان الاثنين ، الحاكم  الأصيل ، ومن شغل عرشه بشكل مؤقت ،  يشتركان بصفة واحدة هي الاستعانة بالسياف في لحظة بروز اي تهديد  يستهدف زحزحة العرش وصاحبه سواء صدر من جهة او شخص اطلق  صرخة احتجاج مطالبا بإنصاف الرعية ،  بتطبيق العدالة والمساواة  كما وردت في قوانين السماء .
في الذاكرة الشعبية  العراقية  قصة  عن احدهم ادعى انه "ملك زمانه " حاول تقليد أسلافه في التنكر وتفقد أحوال الرعية وفي الليلة الاولى ، خرج بمفرده  رافضا اصطحاب المستشارين والمكلفين بحمايته وأثناء تجواله في خرائب مملكته ، قاده حصانه الى مستنقع عميق ، فاستنجد بأهالي الحي القريب ،لإنقاذه ولبى النداء من سمع الصوت ، لكنهم لم يصدقوا ان طالب النجدة صاحب الجلالة ، فطلبوا منه الكف عن انتحال هذه الصفة لمساعدته ، وفي حال إصراره على انه "ملك زمانه" سيبقى في المستنقع حتى الصباح ، وتنتهي القصة  بتعرف رجل كان يعمل سايس خيول، على  الحصان فطلب من المتجمعين النزول الى المستنقع وحمل الملك على رؤوسهم، لتفادي العواقب الوخيمة.
القصة من  نتاج الخيال الشعبي وعلى الرغم من انحيازها الى الحاكم على حساب المحكوم  في المواقف الحرجة ، إلا أنها تتضمن  دلالات سخرية تعبر عن الرغبة في التشفي وسرعان ما تتحول الى موقف اخر ، لتجنب العقاب المحتمل،  وبمرور الزمن انحسرت ممارسات تفقد أحوال الرعية ، وبتحويل رجال العسس الى  عناصر جهاز الأمن السري ، وكتابة التقارير اليومية ورفعها الى الجهات العليا ، انتفت الحاجة الى القيام بجولات تفقدية  بوجود  جهات رسمية مكلفة بإيصال  كل قضية كبيرة وصغيرة الى صاحب القرار لاتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجتها ، بأسرع وقت ممكن .
السيارات المدرعة ، والقوات المدججة بأنواع الأسلحة المتطورة المدعومة بالغطاء الجوي  من الطائرات المروحية   والمقاتلة  شغلت موقع "حصان الخليفة " لكن صاحبه المقيم في قصر داخل المنطقة المحصنة ، وربما لسماعه قصة ملك زمانه وسقوطه في المستنقع  ، فضل ادارة شؤون العباد من بعيد  والاستعانة بدول خارجية ، ولاسيما انه يسمع أصواتا تنطلق من الداخل والخارج تحذر من   انحدار البلاد  نحو  منزلق خطير ،ستجر الخليفة وحصانه الى المستنقع العميق .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram