TOP

جريدة المدى > سينما > كتاب زونا لـ(جف داير).. عن متعة مشاهدة الأفلام

كتاب زونا لـ(جف داير).. عن متعة مشاهدة الأفلام

نشر في: 16 يوليو, 2014: 09:01 م

وسط العديد من كلمات التقدير التي تلقاها الناقد السينمائي جَي هوبرمان ، بعد فصله من صحيفة " فِلج فويس " قبل شهرين ، جاءت من تلميذ سابق اسمه مات سنغر . جمع سنغر ، الذي هو الآن كاتب ومضيف تلفزيوني ، قائمة بالأشياء الأكثـر أهمية التي تعلمها من الحلقة الد

وسط العديد من كلمات التقدير التي تلقاها الناقد السينمائي جَي هوبرمان ، بعد فصله من صحيفة " فِلج فويس " قبل شهرين ، جاءت من تلميذ سابق اسمه مات سنغر . جمع سنغر ، الذي هو الآن كاتب ومضيف تلفزيوني ، قائمة بالأشياء الأكثـر أهمية التي تعلمها من الحلقة الدراسية لهوبرمان في جامعة نيويورك . تتضمن القائمة جزءا من نصائح لفظية ــ (( راقبْ الكلمات الزائدة . لو كانت ثمة كلمة قصيرة ، استخدمها )) ؛ (( نفِّسْ عن غضبك . في النقد ، أفضل لك أن تكون غاضبا من أن تكون مكتئبا )) ــ لكن الرسالة الأساسية والأكثـر أهمية هي هذه : (( إيجاز الحبكة يدمّر اوتوماتيكيا نقد الفلم.))

إن كان هذا صحيحا أم خاطئا ، تعتبر الموجزات أوطأ أشكال الكتابة النقدية . في ثلثي الطريق داخل " زونا " ، كتابه الفريد المميّز حول فلم " ستالكر " ( 1979 ) لاندريه تاركوفسكي ، يعلن جف داير : (( أكثر الأشياء التي أكره هي عندما يبدأ أحدهم بتلخيص فلم ما ، في محاولته لإقناعي بمشاهدته . )) إنه توكيد مفاجئ ــ برغم انه يبدو أقل من ذلك لو كنتَ على معرفة بكتب داير الأخرى ، سواء أكانت عن الجاز ، عن الحرب العالمية الأولى ، أو كانت عن دي أتش لورنس ، والتي كلف فيها نفسه مجهودا زائدا في دمج الشكل والمضمون بطريقة لافتة للنظر ــ لأن " زونا " هو ملخص واحد طويل لفلم بشكل محاكاة ، تعاد كتابته لقطة بعد لقطة .
بزمن متواصل يتجاوز المائة وستين دقيقة ، " ستالكر " نفسه هو فلم طويل . الى جانب " سولاريس " ( 1972 ) ، هو أكثر أعمال المخرج الروسي شهرة ، مجتازا رحلة شاقة يقود فيها رجل في منتصف العمر ، معروف بستالكر [ المتعقب ] ، كاتبا وبروفيسورا عبْر أرض قاحلة الى منطقة عسكرية تدعى ’’ الزون ‘‘ ، تقع في وسطها ’’ الغرفة ‘‘ ، التي يقال إنها تحقق أعمق الأماني لمن يخطو داخلها .
قصة الفلم ، المبنية بتصرّف على رواية صدرت عام 1971 للأخوين اركادي وبوريس ستروغاتسكي ، أشبه بالخيال العلمي التي يتنبأ موقعها الشبيه بسفر الرؤية ومصادفاتها المنتظمة ( إطلاق رصاص ، انفاق تحت الأرض ، قنوات مشبعة بالمياه ) ، ناهيك عن موضوعة البحث ، بألعاب الكومبيوتر في وقتنا الحاضر . الى حد كبير جدا ، بحيث ان شركة اوكرانية أصدرت لعبة بعنوان " ستالكر " ، كانت مستلهمة جزئيا من الفلم . مع طاقمه من الرجال حليقي الرؤوس الذين يشبهون نزلاء الغولاغ ، وبطوبغرافيته المدمَّرة وطرحه لأسئلة جوهرية حول سعادة البشر ، غالبا ما تُرجِم فلم تاركوفسكي بكونه استعارة عن الحياة في ظل الشيوعية . داير ، الذي ثابر بجهد على قراءة الجزء الكبير من التعليق النقدي الملهم من " ستالكر " ، لا يلوّح فقط الى تلك القراءة الخاصة ، بل يلفت الانتباه ايضا الى كيفية النظر اليه باعتباره عملا تكهن مسبقا بمناطق المنع التي أقيمت في اعقاب كارثة تشيرنوبل في 1986 . 
لكن داير ، رغم اغتياظه من الضيق في أفق التفكير لمثقفي بلدنا هذا ، ومع أن العديد من مقالاته وكتبه نشرت في الخارج ، فإنه ظل دائما كاتبا انكليزيا . يعبّر هذا عن نفسه في أسلوب " زونا " ، فهو بقدر ما يصوّر المتعقب ورفيقاه روّادا ميافيزيقيين ، فإنه يظهرهم أيضا كبلهاء يتعثرون في طريقهم وكأنهم خارجون مباشرة من صفحات جيروم كي جيروم في " ثلاثة رجال في قارب " .
على حد سواء ، كما كانت هناك إشارات واضحة الى ميرلو- بونتي ، جيجيك ، هايدغر ، هناك أيضا إشارة نقدية شاردة لجيريمي كلاركسون [ صاحب برنامج تلفزيوني بريطاني عن السيارات ] ( (( الزون هو مكان القيمة التي لا تقبل التسوية والتي لا تشوبها شائبة . إنه واحد من الأقاليم القليلة ، أو الوحيد ، الذي لم تباع حقوقه لـ " التوب غير " )) ) . وثمة هوامش عَرَضية فكهة ، واحدة منها يقتبس رأي ميك جاغر عن جان- لوك غودار ، الذي أنجز معه لتوه العمل في " تعاطف مع الشر " .
قد يجد بعض القرّاء هذه العبارات القصيرة المكررة والكلام الذي يقال على انفراد ، غريبة أكثر منها منوّرة . وقد يتساءل البعض الآخر إن كانت عبقرية داير دائمة التطور في الكتابة الهزلية لا تترك له الآن الوقت أو الرغبة لمتابعة الغنائية الجارحة التي تبدت في أعماله السابقة ، مثل " لون الذاكرة " ( 1989 ) و " عبْر باريس " ( 1998 ) . ما هو حقيقي بلا شك ان السينمائيين النشطين المفطومين على نظرية ديفيد بوردويل في الفلم سيرون في " زونا " كتابا غير مطبوخ بما يكفي . هل سيبالي داير ؟ إن لم نتجاهل وصفه للنقد الاكاديمي بالعقيم على نحو ثابت ، فأنا أشك بذلك .
بالنسبة لي ، إنه بالأحرى أمر مدهش أنه كتب عن تاركوفسكي بطريقة عامّية بقدر ما هي علمية . إذ ينقذه داير من براثن جماعة أفلام الفن ، ويخلصه من الصنمية ، ويعقد صلاتا بين المشهد الطبيعي المدمَّر في " ستالكر " ومحطة القطار المهجورة التي غزتها النبتات الشائكة في لكهامبتون ، قرب مسقط رأسه في سنوات الستينات .
في الوقت الذي يظهر فيه ديفيد كاميرون ليعلن ان فلم " خطبة الملك " ذروة صنع الأفلام ، ويكون أي فن بعيد الطموح محل هزء كفن ظلامي أو محكوم بالنخبة من حرّاس ثقافة وسط انكلترا ، فمن المهم بوجه خاص التوكيد على أن مشاهدي الأفلام المهتمين يمكن أن يتمتعوا بأعمال أكثر تحديا من " فلم الوسطيين " .
من المبهج قراءة داير مدافعا عن متعة مشاهدة الأفلام ، لا بالشكل المنزلي والتافه على أقراص الدي في دي ، لكن في قاعة السينما . " ستالكر " نفسه ، الذي هو تجربة غامرة بقدر ما هو عرض بصري غير اعتيادي ، يفقد قوته الجاذبة حين يُشاهَد في المنزل . يتحدث داير هنا عن (( إمكانية السينما كمكان لرحلة حج شبه دائمة )) .
بعيدا عن الشكلية البارعة الأداء للكتاب ، وبالرغم من الشك بأنه يمكن النظر الى الكتاب كمشهد رفيع الثقافة عن تجدد الحياة ، فإنها قدرة داير في لحظات مثل هذه هي التي تجعل من قرّاءه حجاجا وتقودهم في رحلة للبحث عن حقائق حول الحب وحول طبيعة السعادة ، التي تجعل من " زونا " إنجازا مبهجا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram