عشية الانتخابات الرئاسية، أقر الرئيس التركي عبد الله غول قبل أيام، قانوناً يتعلق بمحادثات السلام مع كرد بلاده، وهي خطوة يؤشر المراقبون أهميتها، على طريق إنهاء الصراع المسلح، المندلع منذ ثلاثين عاماً بين الثوار الكرد والحكومات التركية المتعاقبة، وإذ يبدو للوهلة الأولى أن توقيت الخطوة، استهدف كسب تأييد الكرد لرئيس الوزراء طيب اردوغان، في الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد أقل من شهر، فإن الأكثر أهمية يكمن باعتبارها استكمالاً لمحادثات السلام، التي بدأت قبل عامين مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، سعياً لإسدال الستار على صراع أودى بحياة ما يقرب من 40 ألف شخص.
معروف أنه لا توجد حتى الآن أية أسس قانونية، للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره السلطات التركية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية، لكن القانون الجديد سيغطي جانباً مؤثراً في هذا الإطار، حيث يحمي من يشارك في نزع سلاح وإعادة دمج الثوار الكرد، من المحاكمة، كما سيوفر الحماية القانونية للاجتماعات التي تهدف لإنهاء الصراع، وسيستفيد من ذلك الساسة المؤيدون للكرد وهم بذلوا جهوداً كبيرة لإصدار قانون كهذا، يجنبهم الملاحقة القضائية، على أي نشاط يتعلق بالمسألة الكردية، في حال تحولت الأجواء السياسية في تركيا مستقبلاً ضد عملية السلام، وسيمنح ذلك زخماً ملحوظاً للمصالحة التاريخية بين السلطات التركية والكرد.
يسجل بإيجابية لأردوغان توظيفه لمعظم رأسماله السياسي، وهو ليس قليلاً على أي حال، في جهود إحلال السلام، حيث وسع الحقوق الثقافية واللغوية للكرد، دون الخوف من إثارة استياء مؤيديه، وإذ يرى البعض أن ذلك نابع من إدراكه أن الكرد يشكلون حوالي خمس سكان البلاد، ويمكنهم تعزيز فرصته في الانتخابات الرئاسية إذا ضمن دعمهم، خصوصاً إذا وجد نفسه مجبراً على خوض جولة ثانية، فإن ذلك ليس منقصة في العمل السياسي، خصوصاً لرجل تؤكد كل نتائج استطلاعات الرأي تمتعه بفارق كبير على منافسيه، والمهم هنا بغض النظر عن المصلحة الآنية هو النتائج الإيجابية على الصعيد الستراتيجي، لأبناء القوميتين الكردية والتركية على حد سواء.
يلفت النظر ترشح صلاح الدين دميرطاش، النائب الكردي التركي منذ سبع سنوات، لرئاسة تركيا، على أساس برنامج ينادي بالحكم الذاتي الديمقراطي والحقوق الدستورية للكرد، ويعتبر حزبه أحد أذرع حزب العمال الكردستاني، ويعتبر ترشحه سابقة تاريخية، هدفها تأكيد بعض المكتسبات التي حصل عليها الكرد، فهو مقتنع بعدم إمكانية الوصول لمنصب الرئاسة، نظراً لاعتماده على أصوات الكرد دون غيرهم وتعدادهم لايزيد على خمس مواطني تركيا، هذا إن حصل على مجموع أصواتهم ، صحيح أن ترشحه قد يمنع حسم الانتخابات من الجولة الأولى، لكنه في حقيقة الأمر رسالة صريحة ومصلحية لأردوغان، تدعوه للمضي قدما في التصالح مع المكون الكردي، وتحقيق مطالبه.
ليس بعيداً عن كل هذه التطورات الإيجابية، العلاقة المتنامية بين أنقره وأربيل، التي تؤكد كل قراراتها سعيها الدؤوب لبناء علاقات سلمية مع الجميع دون استثناء، مستهدفة تحقيق مصالح أبناء الأمة الكردية في كل مكان، معتمدة على تجربة إقليم كردستان العراق الإيجابية في بناء عراق ديمقراطي، بعيداً عن المماحكات الراهنة التي تقفز عن كل حقيقة وواقع، لكنها لن تؤثر على إيجابيات التجربة، التي حققت مصلحة الكرد في العراق، وهي جديرة بالاحتذاء حيث يتواجد الكرد، حيث المطلوب خطوات تصالحية مصلحية تعود بالخير على الجميع.
أردوغان والكرد .. مصالحة أم مصلحة
[post-views]
نشر في: 16 يوليو, 2014: 09:01 م