دائما وأبداً شرُّ البلية ما يُضحك .. وأمس أضحكتنا أمانة بغداد وأبكتنا في الأوان نفسه والحين ذاته.. وللحق والإنصاف فان أمانة العاصمة ليست الوحيدة بين مؤسسات دولتنا التي لديها هذه القدرة العجيبة على تقديم الضحك والبكاء، من فرط البلوى، في سلة واحدة .. كل مؤسسات الدولة لديها صفوف وطبقات متراصة من السلال من هذا النوع.
لأمانة بغداد قرأنا أمس بياناً تعلن فيه أنها أكدت على دوائرها البلدية الأربع عشرة المنتشرة في عموم مناطق العاصمة "بضرورة متابعة الشركات والمطاعم والمحال التجارية وإلزام أصحابها بالحفاظ على نظافة الواجهات ومنع رمي النفايات والمخلفات على الأرصفة وإيقاف ظاهرة التجاوزات العشوائية بعرض البضائع على الأرصفة وإعاقة حركة المواطنين".
المُضحك المُبكي في بيان الأمانة انه يظهر حرصاً على نظافة واجهات المحال والأرصفة فيما الأمانة تقصّر تقصيراً كبيراً للغاية في القيام بواجبها في تنظيف الشوارع والساحات والدرابين والأحياء السكنية .. بغداد أوسخ مدينة في العالم .. مؤلم جدا هذا الكلام، لأنه حقيقي .. بغداد الآن مزبلة حقيقية مترامية الأطراف.. لا يوجد مثيل لها بين العواصم والمدن الكبيرة حتى في أفقر البلدان .. كل شوارعها وساحاتها ودرابينها وأحيائها مليئة بالنفايات والمخلفات والحفر .. كل الأرصفة تقريباً متجاوز عليها ... كل شيء في بغداد مُلوّث، وبخاصة الأطعمة، ليس فقط تلك التي تباع في عربات مكشوفة للحشرات والغبار، وإنما حتى في الأماكن المغلقة، كالمطاعم، التي لا تهتم الأمانة (حالها حال البلديات في سائر مدن البلاد) بمتابعة تقيّدها بالشروط الصحية.
والمضحك المبكي أيضاً في بيان الأمانة ايضاً أنها ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها عن "ضرورة" الحفاظ على نظافة الواجهات ومنع رمي النفايات وإيقاف التجاوزات على الأرصفة .. في مرات عديدة سابقة أعلنت مثل هذا وتوعّدت المخالفين بالويل والثبور .. " وهذاك يوم، وهذا يوم، وأبوك الله يرحمه".
المضحك المبكي كذلك في بيان الأمانة انه يُنذر هذه المرة أيضاً باتخاذ "جميع الإجراءات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة البلدية بحق المخالفين الذين يتسببون بتشويه جمالية الشوارع والأرصفة وإعاقة حركة السير والمرور ... الخ"، فيما الأمانة لم تضع موضع التنفيذ أياً من بياناتها وإعلاناتها وإنذاراتها المماثلة السابقة التي ظلت تتكرر كل عام تقريباً ويتكرر معها تحدينا للأمانة أنها لن تكون عند كلمتها ولن تفعل ما تقول .. وها نحن نتحدى الأمانة من جديد على نفس النمط والمنوال .. نتحداها أن نجدها بعد اسبوع أو شهر أو حتى ستة أشهر وقد أصبحت عند كلمتها وفعلت ما قالت.
نتقابل بعد ستة أشهر .. أي بداية العام المقبل!