(بين النطق والصمت برزخ فيه قبرالعقل وقبور الأشياء)-النفري- لا تدع أعمال الفنان التشكيلي(محمد قريش)أي مجال للتأويل القصدي المقتصر على ما توارثناه من منظومة ورحم ذلك النوع الذي يحادد المتوقع والمألوف في توريد معاملات ارتباط الت
(بين النطق والصمت برزخ فيه قبرالعقل وقبور الأشياء)
-النفري-
لا تدع أعمال الفنان التشكيلي(محمد قريش)أي مجال للتأويل القصدي المقتصر على ما توارثناه من منظومة ورحم ذلك النوع الذي يحادد المتوقع والمألوف في توريد معاملات ارتباط التجريد ونواتجه البصرية ، وفق اعتبار يرى فيه نوعا من (اللاشكلية)، في واحد من أبرز توصيفات التجريد من الناحية الفعلية، بل تتعدى أعماله عوامل الاعتناء وسبل بإعادة ترسيم حدود لوحاته بفرض فضاء-تشكيلي خاص، يتأثث من وحي عوالم تعيد-هي الأخرى- أبعاد وجودها الزمني والنفسي، وتراهن على خصوصية النهج الذي اتبعه الفنان والنتائج التي توصلت اليها تمردات تجاربه ووضوح تفوقه بتجاوز الكثير من أقرانه وممن سبقهم-أيضا- من أولئك الذين أغراهم اللعب والتباري فوق السطح التصويري، ومن انتهجوا وساروا الى خطى ورؤى الراحل الكبير(شاكر حسن آل سعيد).
لقد سعى(قريش)الى مباغتة بث الوضوح العلني، والبوح التقليدي في موجودات أعماله بفيض تزهد حاذق وشغف قادر على إيهامنا بتفوق لحظاته العفوية وحيوية استجاباته التلقائية الممكن تطويعها على حساب موصلات وحالات انهماكات تبصر واع لدواعي تفرد ذات فنية متمرسة على كشف وفحص محتويات الأمكنة، وسعادة منحها أبعادا زمانية، حتى لتبدو،وكانها أمكنة أخرى لها(فيزيقيتها) الخاصة بها، إنه يسعى-أيضا- لخلق فضاءات ومديات أبعد وأعم من مجرد ممكنات التعامل العادي مع أشياء الطبيعة وموجوداتها اليومية والمألوفة من تلك التي قد لا تثير أحدا، فكل شيء متاح ومتوقع عبر تبعية الاستفادة منه في خواص لوحات (محمد قريش)وعلى أية حالة أوصورة كانت(جماد/نبات/حيوان)،وكل مايتركه الإنسان من زوائد مخلفات ومهملات ناتجة من استعمالاته اليومية لمواد وحاجات اعتاد التعامل معها، بل الاستفادة- حتى- من لقى وأشياء مرمية قارعة الطريق،كذلك ما ينتج ويتناوب- بحكم طبيعة المادة وخواصها الكيميائية،وما يلصق بها و يتغلغل من سكون وحركة تتيح له فرض ما يريد عليها،أو يحرك بها جانبا من ممتلكات لوحاته المغمورة-عادة-بفضاءات وفراغات مهيبة، توحي بالاكتظاظ والتواترات التي قد يقترحها المشاهد تبعا لحالاته النفسيةالشعورية واللاشعورية،وما تمكنه من فرض لحظات تأمل وتملِ ليعاضدا تلك التقنيات المتنوعة،الغريبة عن عالم الرسم بـ (مواد وعدد مختلفة/استحضارات كيمائية/إضافات تحليلية/خيوط/زهور طبيعية معينة) من تلك التي تسهم في فضح مناورات محسوبة،على رصيد معاملاتها التجريدية وبتطلع روح حية ونابضة،قادرة على فرض نسق حسي ونفسي يتطامن ورصد ومتابعة حالات وتكوينات تعرية وتآكل وتنامي موجودات لوحات طيعة تنمو فوق سطوح متباينة ومتعددة الأغراض والتأثير على ذائقة المتلقي(قماش/ورق/خشب/جلود/وغيرها)،لكي يهيئ-قصدا مشروطا بوعي مسبق- علامات و رموزا ودلالات ذلك الإفصاح العلني والحر في أرشفة وتثمين لحظات حيوية وفائقة الأثر والمسعى ،تشي وتتشكل وفق تطلعات (قريش) عبر تماهيات أشيائه المتشكلة على مساحات لوحاته ،وفرضيات مجريات قوانين الطبيعة بسريان تناوبات متوالياتها المستمرة و وحركتها الدائمة كما هي دورة الحياة التي تترواح ما بين نمو واخضرار،ثم ذبول حد التلاشى، تفاعلا ضمنيا ما بين موجودات اللوحة، المقترحة فعلا من قبل الفنان، وبين ما تقترحه أهواء وثقافة المتتبع الى هذا الضرب، الصعب من تعاملات التواصل من الناحية البصرية، مع سعة الأفكار وعمق الرؤى وغرابة القصد والمسعى، وثم النجاح والتفرد والاستمرار.
فأية محنة(جمالية) خاصة وصعبة، بل نادرة حين يتوق ويتولع أو يتورط في توثيق تحولاته على هذا النحو من الرصد الواثق والشعور الصادق من جوهر قدراته التعبيرية، كما تنوء بها تطلعات(محمد قريش) وهي تستنير، بل تستعين بضخ حالات من التنامي والضمور تنشأ وتتوالد، بما يشبه -الى حد كبير- ما يطلق عليها من الناحية (البايولوجية) بعمليات الأيض(اي الهدم والبناء) التي تحصل في كل لحظة في كل خلايا الكائنات الحية على الاطلاق،وبما أعطى لـ (قريش) ثقة الإحساس بديمومة وحيوية أعمال تبدو متريثة، حذرة في سياق سيرها بمياسم وعوالم مدهشة، ذكية ، مرهونة بدفق تورد أفكار تسبح خارج أطر التأويل القصدي لنواتج التجريد المحض، المتأتية من آليات النقد الجاهز وغايات ودواعي الفهم التقليدي لقيمة العمل الفني ونواتج الفكر الجمالي المعاصر لما بعد الحداثة، في عموم تجربة عراقية-عالمية اجتهدت لتتشكل وتتطور منذ بواكير وعيها، أي قبل تخرج(محمد قريش)من كلية الفنون الجميلة ببغداد /1993، الذي لجأ الى تهيئة تقنياته الذهنية وتصورات مناوراته الحاذقة بالحذف والصق والإضافة، في وسم معاملات تجريد – تعبيري تترواح باستدعاء أرواح محلقة وأمكنة مقترحة ومناخات حرة، نابضة بسكونها، هادئة بوضوحها وثقتها اللامتناهية بأن الحياة هي في مكان آخر،كما كان ينادي بذلك الشاعر العظيم(رامبو)، وبما استقرت عليه واستنفرت رواية(ميلان كونديرا)بذات الاسم(الحياة ... هي في مكان آخر)بما قد يشكل قاعدة تبني الفنان(محمد قريش) متابعة رصده التحليلي لجملة من أفعال التآكل والتنامي في ذات ذلك الإفصاح عن معنى التصدع وقدرة تماهي الأشياء مع بعضها، بالتحول والتناور والتحريض على إبقاء موجودات الطبيعة والحياة، هكذا طيعة ومستمرة، بدون وجود الإنسان وبالطريقة التي تقترحها ذات الفنان، عبر الحد من كل ما يهددها(أي الحياة) بالرحيل والزوال، كما تريد وتبغي أعمال (قريش) في مجمل وجل غاياتها المثلى،على أغلب وواثق الظن الذي نلمسه ونراه ونتحسسه على الدوام.
*****
محمد قريش.. في سطور
ولد في بغداد عام/ 1965,تخرج من اكاديمية الفنون الجميلة بغداد/ 1993والاكاديمية الملكية الهولندية في لاهاي/ 2009 وأقام فيها كفنان متفرغ منذ عام/1994حتى عام 2012 ليستقر بعدها في كندا،اقام خلال تلك السنوات أكثر من ثلاثين معرضا شخصيا وعشرات المعارض الجماعية في كل من/ لاهاي/امستردام /ماسترخت /اوترخت /انتفربن/سويسرا/ فرانكفورت/ برلين/لاروشيل/مدريد/اليكانتا/ملقا/نيويورك /القاهرة/عمان/الدار البيضاء/ الرباط/ وبغداد .
- أقام العديد من ورش العمل الفنية في هولندا وبلجيكا والمانيا /الهند /اسبانيا، فضلا عن العديد من( السمبوزيومز) و(الاّرت فيرز) والمشاريع الفنية الدولية والعربية,كما عمل لسنوات عديدة مع المنظمات الانسانية لاغاثة افريقيا والدول الفقيرة مثل منظمة مميسا انترناشيونال و امنستي انترناشيونال. ودخلت اعماله ضمن مسابقة تشكيلية في امستردام لاولمبياد كاّس العالم لعام .2004 اشتركت أعماله في مسلسل تلفزيوني هولندي (الحقيقة) .نال اربعة جوائزوهي الجائزة الاولى في مهرجان بابل للفنون التشكيلية في بغداد والجائزة الثانية جائزة المبدعين العراقيين,والجائزة الثالثة جائزة الفنانين العراقيين المعاصرين ,والرابعة جائزة شرف وتقدير ضمن المسابقة الدولية الهولندية للفنون التشكيلية في امستردام.
- ومن أشهر القاعات العالمية التي عرض فيها(قريش):دي جالري/ارت ليز/كوزمو ارت/بلد كراخت/كرستا ريدل/دي كليو/كوتس هاوس/بلد لاين/رومر ارت/تراسيه/دلفي فورم/ميا/كولكت ارت/ اندر هاوس/ارت ترانزيت/ زونهوف/رينكون دي لافكتوري/ ايه,بروناي/فالكون/آرت فيرز/نيويورك/فرانكفورت/لاهاي/جنت/اوترخت/موسكرون/امستردام،ومن أشهر المتاحف العالمية التي اقتنت أعماله: رايكس ميوزيم/لوزان ميوزيم/ارمندو ميوزيم/برنسن هوف/و ميوزيم، بحسب ما ورد في سطور سيرته الإبداعية وسعي تواصل تجربته بإتجاه تعميدتها بكل ما هو معاصر ومدهش ومثير،وفق مرتسمات نظرته الباصرة لقيمة الفن في توسيع مديات الحياة بها.