استهلّ الرئيس السوري بشار الأسد ولايته الرئاسية الثالثة، بخطاب سعى فيه للإيحاء بأنه أحرز النصر، وأنه تبعاً لذلك لن يقدم أية تنازلات سياسية، ولن يتنازل عن أي من صلاحياته المطلقة، وأن على الباحثين عن التغيير أن يدركوا، أن ما بعد الانتخابات و3 سنوات من الحرب ليس كما قبلها، وحصر الحل السياسي بما ينتج عن المصالحات الداخلية، وبمعنى أن الحوار سيكون مع القوى التي يحددها، وليس من بينها بالطبع المعارضتان الخارجية والمسلحة، وكتعبير عن الثقة والقدرة، دعا "المُغرر" بهم والمنشقّين إلى إلقاء السلاح، والعودة إلى صفوف الجيش.
ليس سراً أن الأحداث أجبرت النظام على اتخاذ خطوات وُصفت بأنها إصلاحات سياسية، وصفها البعض بأنها مجرد ردود فعل، عاجزة عن تغيير طابع الحكم، والاستجابة للمطالب الشعبية، لكن من حسناتها كسر الكثير من المُحرّمات، فقد سمحت بولادة حركات وأحزاب سياسية، باتت جزءاً من المجتمع المدني، الناشئ بمعزل عن أدوات السلطة، كما أنها أفضت إلى الانتقال من أسلوب الاستفتاء إلى صيغة الانتخابات التعددية، التي يسعى الإعلام الرسمي المتخشب لإفراغها من مضمونها، بالتشديد على صفة القائد الملهم المنقذ، والقفز على حقيقة الحاجة إلى رئيس قابل للنقد والمعارضة، إن كانت الديمقراطية هي الهدف.
للأسد الحق طبعاً في محاولة الظهور منتصراً، لكن بعض مؤيديه تمادى في النفاق فرأى في مراسيم الاحتفال، أننا إزاء ولادة قيصر جديد، تعبيرا عن التشبث بعبادة الفرد وتأليه القائد، بينما رأى بعض معارضيه أن الاحتفال بالمناسبة في قصر الشعب، وليس في مبنى البرلمان، دليل فقدان الشعور بالأمان، وذكّر البعض بأعداد المعتقلين، في حين يتغنى الأسد بحرية السوريين، وألمح البعض إلى تناقض ما جاء في الخطاب، من تعهد بالحفاظ على سيادة الوطن وأمنه، متسائلين أين هي السيادة والأمن، في بلد يسيطر المسلحون المتمردون على أجزاء واسعة من أراضيه، وتدخل المساعدات الدولية لأبنائه، رغم أنف النظام، ودون الحاجة لموافقته.
المدهش أن الإعلام الرسمي، لم يتوان عن وصف الخطاب بأنه خطاب الضمير الوطني، ذو الطابع الوجداني الذي يتمثل صوفية وطنية، مستغرقة في حب البلاد والناس، وأنه خطاب الواقعية السياسية، ويمثل عقل الدولة، من إحساس بالمسؤولية الوطنية تجاه خطورة الأحداث والتحديات التي تواجه سوريا، ذلك كان كلام وزير الإعلام المجاني البعيد عن التحليل المنطقي، ما يؤكد أن هذا الإعلام لم يدرك بعد حجم التحولات، وفيه من يصف الأسد بقيصر الشرق، الذي صنع مكانته في التاريخ بثباته وصموده وقتاله ونصره، تلك لغة تماهت مع لغة الخطاب التي كنا نتمنى غيابها، لتحل محلها لغة التصالح لمصلحة الوطن.
فوز الأسد بولاية ثالثة في ظل الأوضاع الراهنة لايستوجب مهرجان الفرح الإعلامي المتجاوز للحدود، فأثناء أداء القسم كانت عمليات القتل والتدمير مستمرة في قلب دمشق، وحلب وجوبر، وسيطر المعارضون على أكبر الألوية العسكرية في درعا، وظلت الرقة خارج السيطرة، كان الأكثر أهمية التركيز على بداية مرحلة جديدة، وليس الابتهاج بما كان سائداً وأدى إلى ما شهدناه طوال ثلاثة أعوام، كنا نأمل أن تكون بداية الولاية الرئاسية الثالثة، دليلاً على الاستفادة من دروس المرحلة السابقة، وليس مناسبة لتمجيد الحزب القائد للدولة والمجتمع وهي فكرة ألغاها الدستور الجديد إن كان هناك من يتذكر ذلك.
الأسد وخطاب النصر غير المكتمل
[post-views]
نشر في: 18 يوليو, 2014: 09:01 م