TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > المقموعون يتحررون في الرواية العربية

المقموعون يتحررون في الرواية العربية

نشر في: 4 ديسمبر, 2009: 06:11 م

عواد ناصر يمكن اعتبار الرواية أكثـر الفنون التعبيرية مقاربة للواقع. ليس من رواية عربية سوريالية حتى الآن. ولم نصادف أثناء قراءتنا الروائية (في نمادجها المعروفة على الأقل) نصا روائيا يزيحنا من نصه (لغته ومراميه) ليلقي بنا في متاهة الغموض بنوعيه: المقصود أوالهذياني، كما هي الحال في الشعر والرسم مثلا.
الرواية العربية هي أكثـر طرائقنا، كتابا وقراء، للكشف، أو محاولة الكشف، عما يعنينا بشأن أنفسنا والعالم، ومن هنا تنشأ الذريعة لطرح سؤال الرواية وعلاقتها بالديموقراطية، على أساس أن الديمقراطية أحد أحلام المجتمع العربي، وأقساها وأكثـرها قابلية على الإفساد الفكري والتاريخي، منذ طرحت في سوق التداول السياسي.ألا ترون حجم الثقل المادي الذي يضغط بشكل فاقع على أصابع الروائيين وأوراقهم واشتغالاتهم ممثلا بالسياسة عموما وبمعضلة الديمقراطية خصوصا؟من السهل أن يطرح السياسيون آراءهم ومشاريعهم بشأن الديموقراطية، فهي عبارة عابرة في أفواه السياسيين، عبر العالم، كاللبان، ضرورية لبعض الوقت سرعان ما يعافها الفك بعد أن تفقد طعمها و"مرحلتها". هكذا تكون السياسة مدخلا للفن كظاهرة عربية، بامتياز، أكثر من كونها "حرفة" السياسي.ابتلينا، من دون سائر الناس، بظل السياسي على أوراقنا وخيالنا. نعم، ثمة روايات عالمية كبيرة كان فيها السياسي يعترض حوارات الشخصيات الروائية ويسبغ على صالات الرقص وشرفات المحبين حلكة ليست بالرومانسية: "الساعة الخامسة والعشرون" لوكونستانتين جورجيو، "حفلة التيس" لماريا فارغاس يوسا، "البطء" لميلان كونديرا، "خريف البطريارك" لماركيز، "السيد الرئيس" لأستورياس واللائحة تطول كثيرا عالميا لكنها تتقاصر عربيا، للأسف، ومن هنا منشأ سؤالنا حول ديموقراطية الرواية العربية.rnالرواية هي التاريخ الفني المكتوب للمجتمعلا أكتمكم لوخيرت بين رواية عربية أقرأها وأخري غربية فسأختار الثانية. إنه أمر يتعلق بمساحة الحرية الداخلية التي يتمتع بها الروائي الغربي.يتلخص مسوغ فكرة هذا المقال على ضوء أن الرواية هي التاريخ الفني المكتوب للمجتمع.لا معني هنا، كما أزعم، لمقولة "الشعر ديوان العرب" لأنها مقولة دواوينية لم تعد صالحة لعصر الحروب والقمع والمنفي الذي يعتبره الناقد البريطاني جون برغر أنه أبرز ما يميز القرن العشرين. وأضيف: القرن الواحد والعشرين أيضا بلا تردد.وبالمناسبة اختار هذا الناقد الجنوب الفرنسي مكانا للإقامة مهاجرا (منفيا؟) موقفا اعتراضيا على ما يجري في وطنه من استلابات وخروقات لأعرق ديمقراطية في العالم الحديث.إذا كانت الرواية، كما اقترحت، هي التاريخ الفني للمجتمع فإن هذا يعني أن الروائيين هم كتبة التاريخ الفعلى بمواجهة تاريخ المؤسسة الرسمية في مختلف توصيفاتها: الأكاديمية والمؤسساتية القوية التي لا تأبه بالضعفاء وهم هنا الناس العاديون. تاريخ القوة (السلطة القمعية) ولا ريب.rnالديمقراطية في الروايةإن رواية السعودي، نصف العراقي، عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" ما كانت بحثا روائيا مباشرا بشأن الديموقراطية قدر ما كانت شهادة روائية عن القمع وإهانة الفرد المتهم بتهديد مشروع السلطة العربية. لا بأس ففي الشعر، مثلا، كانت أنشودة السياب للمطر صيحة شعرية ضد الجفاف. من هنا أري أن مثال منيف في طرحه لموضوعة السجن وتحطيم الإنسان، هو الوجه الآخر لسؤال الديمقراطية في الرواية.إنه سؤال لا يتعلق بعبدالرحمن منيف شخصيا أو روائيا إنما ورد عرضا وفق إجراءات المقال هذا، فالرجل كان أمينا لفكرته الروائية وكل ما يتعلق بها عقائديا، وما مقالاته وكتاباته اللاحقة سوي توكيد لعقائديته، وهو حر طبعا، في ما يراه، لكنني أوردته مثالا على الروائي الذي تصدي للاستبداد بصراحة متناهية الى الدرجة التي طبعت فيها روايته هذه تحديدا عشرات المرات وفي دور نشر متنوعة بعضها تابع للمؤسسة العربية الرسمية (وزارات إعلام أو دور نشر تؤدي وظيفة هذه الوزارات نفسها(!) وكأنها تقول نحن "ديموقراطيون" ولسنا المقصودين.الديموقراطية سلوك وليس لباناً يعلك. الفاشية العربية، أيضا، لا تخص حزبا من دون سواه. إنها نوع إخلاقي وسلوكي يمكن أن يتمظهر في أشد الأحزاب معاداة للفاشية.في سهرة شامية، في منزلي/ مساكن برزة، سألت عبدالرحمن منيف سؤالا يتصل بفكرة هذا المقال بشأن روايته تلك، وبأريحية المبدع وتواضعه أجاب ما معناه: الكتابة عن الاستبداد أسهل من الكتابة عن الديموقراطية. نحن أمة تطلق صرخة "آخ" ضد مستبديها كردة فعل على ألم فسلجي، إذا جاز التعبير، لكننا لم نجد "المجال الكافي" لسؤال المستبد عما يفعل. شخصيا سأفكر بالأمر، روائياً."المجال الكافي" من يتيحه؟ من يصنعه؟قدر ما يتعلق الأمر بموضوعة هذا المقال يتحمل الروائيون العرب مسؤولية الصمت إزاء ثقافة الديموقراطية، ثقافيا وإبداعياً، باعتبارهم أكثر الفنانيين المؤهلين لتأرخة المجتمع فنياً.وإذ تحتل الرواية العربية، اليوم، ما يجعلها المنافس العنيد لدواوينية الشعر العربي فإن المبحث يتقدم أكثر في مسعاه باتجاه ديموقرطية الرواية.كتب مؤلف "الساعة الخ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram