اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مانديلا وعصر حروب الكراسي

مانديلا وعصر حروب الكراسي

نشر في: 18 يوليو, 2014: 09:01 م

مرت امس الذكرى السادسة والتسعين لميلاد نيلسون مانديلا.. الذي لم يعرف العالم سياسيا مثله ، ليس لأنه سُجِن اكثر من ربع قرن ،. بل لأنه كان صاحب الشخصية الساحرة والمناضل المتسامح داخل السجن وخارجه، الرئيس الذي رفض إعادة إنتاج الظلم ، والسجين الذي قال لسجانيه: "عندما اخرج من هذا المكان سامد يدي لكم لنبني معا مستقبلاً جديداً لهذه البلاد".
في حكاية مانديلا التي كتبت عنها مئات الكتب وآلاف المقالات ، ما الذي يمكن لكاتب مثلي ان يضيف، بعد ان تحولت هذه الحكاية الى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا.. بالأمس كانت صورة الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا وهو يبتسم معلقة في كل شوارع جنوب افريقيا، وعلى قمصان وثياب البيض قبل السود ، ، فالكل كان يدرك جيدا ان وجود الساحر الأسمر بينهم، كان ضمانة لكل السكان بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم، الآلاف طافوا الشوارع يحتفلون وكأن الزعيم الافريقي ينظر اليهم ويلقي عليهم دروساً في كيفية تجنب حروب الثأر والضغينة.
سحرَ مانديلا العالم بتواضعه، وبعفوه الدائم وبابتسامته السمحة التي دفعت ملكة بريطانيا ان تخالف البروتوكول فتقرر الوقوف في باب القصر لاستقبال الرجل الذي قرر ذات يوم ، وفي هدوء ان ينهي سلطة المستعمر الأبيض على بلاده، وقبل ان يسحر مانديلا رؤساء وملوك العالم كان قد سحر سجانيه البيض الذين ظلوا خلال سنوات سجنه الطويلة يهربون له القهوة والشاي والطعام الخاص بهم.
ظل مانديلا يؤمن بان السير نحو المستقبل اهم من لعبة اعادة الماضي وحكاياته . ولهذا عارض وبشدة مطالب شعبه من السود بالتفرغ للانتقام فيكتب في مذكرته: "كنت أعلم أن حاجة الظالم إلى الحرية، أمس من حاجة المظلوم، فالذى يسلب إنسانا حريته، يصير هو نفسه أسيرا للكراهية والحقد "
قبل وفاته بسنوات أجرت معه مجلة التايم حديثا عن أهم درس تعلمه في السجن فأجاب بجمل قصيرة: " إن الشجاعة لا تعني انعدام الخوف … إنما تعني تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف .. احرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك أقرب إليك " ، لم يستبعد أو يسحق منافسيه بل اصر على ان يجعلهم شركاتء. أما أهم دروسه فهو أنه : " لا يوجد فى السياسة إما- أو.. فالحياة أعقد من أن تأخذ حلا واحدا، فلا شيء اسمه الحل الوحيد، بل خليط من الحلول تصنع معا حلا صحيحاً ولهذا فالتراجع وقت الخطأ من صفات القائد".
ينام مانديلا في قبره مطمئنا لأنه ترك بلاده في تصالح مع المستقبل. لم يطلق النار على المتظاهرين. لم يشتم معارضيه او يخونهم، لم يطلب من الناس ان تهتف بحياته، لم يوزع ثروات بلاده بين مقربيه.. لم يتستر على فاسد.. ولم يضطهد أصحاب المختلفين معه.
لعل التجربة السياسية لزعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا تستحق من كل الساسة في العالم وأولهم حديثو التجربة في العراق أن يطالعوها، فالرجل الذي أمضى نصف عمره في زنزانة انفرادية ، توقع المقربون منه أن خروجه من السجن يعني أن لحظة الثأر قد حانت، لكنه لم يحقق لهم مبتغاهم ودعا الجميع إلى نسيان الماضي مؤكدا أن “الإنسان الحق هو ذلك الذي لا يكرر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه”.
من منا سيقرأ سيرة مانديلا جيدا ليتعلم أن السياسة هي فن المحافظة على الشعوب، لا فن التلاعب بأقدار الناس، وان الحكم لا يعني أن تقول للآخرين إننا حصلنا عليه –الكرسي– ولن نتخلى عنه إلى أبد الآبدين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. احمد سليمان

    ارجوا من الاستاذ علي حسين ان يمتثل بمانديلا ويطبق مبادئه في مقالاته في المستقبل بغض النظر عما كتبه سابقا.

  2. ازاد شوني

    والله كلما اقراء كتاباتك اشتاق اكثر للعمود االثامن . احسنت ارجو من الله ان يكثر كتاب اصلاء من امثالك

يحدث الآن

"الأبنية متدهورة".. سجون العراق تعاني اكتظاظاً يفوق 300% من الطاقة الاستيعابية

اجتماع هام لديكو لحسم صفقة جديدة لبرشلونة

العمليات المشتركة تكشف تفاصيل هجوم "الفصائل" على قاعدة عين الأسد

السجن 15 سنة بحق مدان أطلق النار على مفرزة أمنية

آفة تتفاقم.. الداخلية تعلن القبض على (31) متسولاً في بغداد

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram