أزمة المسيحيين الكرام، وأزمة مئات آلاف النازحين، هي بمثابة أسئلة امتحان إضافية، توزع في قاعة بكالوريا عملاقة، تستوعب الشعب بأسره. الامتحان كان اصعب من المتوقع، وأسئلته اكثر إحراجاً من المعتاد، بل ان كمية الأسئلة ظلت مباغتة وغير مألوفة، ووقت الامتحان لا يبدو انه مفتوح.
ملف النازحين، يظل بمثابة اختبار لموهبة الأمة في تنظيم التكافل. ولم نعد ننتظر شيئاً من حكومة بغداد المصابة بالدوار (ولا أقول شيئاً آخر قد يجرح مشاعرها). ولكن كان يمكن لملايين العراقيين ان يتبرعوا بخمسة أو عشرة دولارات عن كل شخص، لتأسيس صندوق تكافل يغيث الضحايا الذين تحولوا إلى مشردين في بلادهم. وسيثبت العراقيون حينها قدرتهم على المبادرة، وأهليتهم للانخراط في العالم المتحضر الناجح في مواجهة كوارثه ونوازله. وسيثبتون كذلك ان فلوساً من كل الطوائف، ستحسّن ظروف نازحين من كل الطوائف، ما يعني ان مشاكل البلاد لم تصل إلى طريق مسدود على المستوى الشعبي. لكن هذا صعب لم يحصل حتى الان. وقطاع واسع من الشعب منهمك في تخوين الاخر العراقي، على هذه الجهة او تلك. و"الخليفة"يشعر بالانتشاء، لان مواكبه لن تمر إلا من خلال هذه الفجوة الشعبية المؤلمة.
كيف يمكن لشعب ان يهزم"المؤامرات"وهو مكتوف الأيدي أمام مبادرات بسيطة الكلفة، عظيمة المعنى؟ أم أننا صرنا عاجزين حتى عن امتلاك بعض الخيال الخصب، وقدرة الفعل الإيجابي؟ الوقت لم ينفد والفرصة قائمة لذوي الهمة العالية.
أما المسيحيون العراقيون، الذين لم نعرفهم إلا بالطيبة واللياقات العالية والتحضر العميق، فهم اختبار لمدى تقبلنا معايير التقدم الحضاري في العالم. جيد ان كثيراً من المسلمين ادركوا خلال المناقشات التي شاهدتها على فيسبوك، أننا جميعاً مذنبون في التعامل مع الوجود المسيحي في العراق، وليست داعش سوى إعلان صريح لواقع مضايقات قائم في كل المدن تقريباً.
عقب مجزرة كنيسة سيدة النجاة، قبل ثلاثة أعوام، كتب كثيرون حول المسألة المسيحية، وقلنا يومها ان تنظيم القاعدة يرهبهم بالعنف المروع، لكن العديد من القيود الاجتماعية من البصرة حتى الموصل، هي عنف يمارسه المجتمع أيضا، في حق المسيحيين، تحت شعار ان على"الأقلية"ان تخضع للقواعد الثقافية التي تريدها"الأكثرية".
لم تكن صدمة كنيسة النجاة، كافية لنراجع منطق التغلب هذا. وليس من السهل ان تكون تهديدات داعش الأخيرة لمسيحيي العراق، مناسبة لمراجعة جادة، لكن علينا ان ندرك بلا تأخير، ان ترددنا في الحديث بصراحة عن نظام الأكثرية الثقافي، ومخاطره، هو اكبر جريمة نرتكبها، في حق مسيحيي العراق.
وهي ليست جريمة في حق المسيحي من زاوية دينية، بل من زاوية ثقافية عميقة. نظام الأغلبية الثقافي من هذا المنظور، يظلم كذلك المسلمين الذين اختاروا طريقة الحياة الحديثة، وهم بمئات الألوف في المد ن والأطراف. وهذه شريحة متحضرة موالية للقانون والاعتدال، معارضة للتشدد. وهذه الشريحة هي مصل وقاية المجتمع من الانهيار، وهي فوق الانقسام الفئوي. هي أيضاً واجهة بلادنا في كل مناسبة. لكنها تعرضت إلى ظلم متواصل، فالأغلبية تريد ان يخضع لها الجميع، لا تفاوض ولا تناقش في هذ، رغم ان جهات الاعتدال الديني قالت كلاماً مهماً في مناسبات كثيرة، لكن الأمر ظل ناقصاً وبشدة ولم يتحول إلى تغيير ثقافي.
العناد الثقافي، هو رفض للانخراط في العالم المتحضر ومعاييره. العالم المتحضر الذي هرب إليه المسلمون من ظلم مجتمعاتهم الإسلامية. أما التلكؤ في اعتماد المعايير المتحضرة، لإدارة تنوعنا البشري، فلن ينتج سوى نماذج من داعش تختلف في الكم والنوع، لكنها تبقى قنابل موقوتة للانتحار الذاتي.
إما أن تفكر الأمة في هذا بنحو جاد، أو نلتقيكم"على خير"في الألف الرابع للميلاد، محجوزين داخل المأزق ذاته.
المسيحيون ليسوا مجرد أزمة لداعش
[post-views]
نشر في: 20 يوليو, 2014: 05:48 ص
جميع التعليقات 5
عراقي
ستكون هناك حرب كبيره في الموصل لذا أتت الأوامر بإخراج المسيح حفاضا على أمنهم وسيعودون بعد المعركة الى ديارهم٠
محمد توفيق
أي صندوق تكافل ؟ يرحون يبوكونه مثل ماباكو تبرعات المواطنين لضحايا جسر الإئمة أيام حكم الجعفري ، أو تجي الأمم المتحدة وتكون مسؤولة عن الصندوق .. بلد كلها حرامية ...
عراقي
(حيث ما منفعه للناس هناك شرع الله) ، منقول، نحن الناس العاديين عندما نستفهم من رجال وعلماء الدين بمختلف مذاهبهم عن شيء نجهله ، يجيبونا بنصوص محددة يدعوون انها من الله ؟ وان جهنم تنتظرنا اذا لم نلتزم ، وجنتهم غير مضمونه لنا حتى لو التزمنا ، طبعا جنة العلم
عماد السهلاني
اهلا بكم احبتي ماحدث في العراق هو نكبه كبرئ الئ كل العراقين الشرفاء وامتحان عسير الئ الطيف السياسي الذي ظهر في اسؤء صوره في البلد التاريخ يعلن انه لن يرحم احد في ايام النهوض الوطني نعم للعراق يسقط المرتزقه
سعد
الاخ العراقي في معرض ردك على مقال الاستاذ سرمد الطائي اقول هل انت مقتنع ان تهجير المسيحيين لوجود معركة كبيرة ثم العودة الى الموصل اذا لماذا سرقو ممتلكاتهم وذهبهم ومالهم حتى خاتم الزواج سرقوه وكتبو على دورهم من عقارات الدولة الاسلامية ..ارجو ان تكون اكثر ا