TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المسيحيون ليسوا مجرد أزمة لداعش

المسيحيون ليسوا مجرد أزمة لداعش

نشر في: 20 يوليو, 2014: 05:48 ص

أزمة المسيحيين الكرام، وأزمة مئات آلاف النازحين، هي بمثابة أسئلة امتحان إضافية، توزع في قاعة بكالوريا عملاقة، تستوعب الشعب بأسره. الامتحان كان اصعب من المتوقع، وأسئلته اكثر إحراجاً من المعتاد، بل ان كمية الأسئلة ظلت مباغتة وغير مألوفة، ووقت الامتحان لا يبدو انه مفتوح.
ملف النازحين، يظل بمثابة اختبار لموهبة الأمة في تنظيم التكافل. ولم نعد ننتظر شيئاً من حكومة بغداد المصابة بالدوار (ولا أقول شيئاً آخر قد يجرح مشاعرها). ولكن كان يمكن لملايين العراقيين ان يتبرعوا بخمسة أو عشرة دولارات عن كل شخص، لتأسيس صندوق تكافل يغيث الضحايا الذين تحولوا إلى مشردين في بلادهم. وسيثبت العراقيون حينها قدرتهم على المبادرة، وأهليتهم للانخراط في العالم المتحضر الناجح في مواجهة كوارثه ونوازله. وسيثبتون كذلك ان فلوساً من كل الطوائف، ستحسّن ظروف نازحين من كل الطوائف، ما يعني ان مشاكل البلاد لم تصل إلى طريق مسدود على المستوى الشعبي. لكن هذا صعب لم يحصل حتى الان. وقطاع واسع من الشعب منهمك في تخوين الاخر العراقي، على هذه الجهة او تلك. و"الخليفة"يشعر بالانتشاء، لان مواكبه لن تمر إلا من خلال هذه الفجوة الشعبية المؤلمة.
كيف يمكن لشعب ان يهزم"المؤامرات"وهو مكتوف الأيدي أمام مبادرات بسيطة الكلفة، عظيمة المعنى؟ أم أننا صرنا عاجزين حتى عن امتلاك بعض الخيال الخصب، وقدرة الفعل الإيجابي؟ الوقت لم ينفد والفرصة قائمة لذوي الهمة العالية.
أما المسيحيون العراقيون، الذين لم نعرفهم إلا بالطيبة واللياقات العالية والتحضر العميق، فهم اختبار لمدى تقبلنا معايير التقدم الحضاري في العالم. جيد ان كثيراً من المسلمين ادركوا خلال المناقشات التي شاهدتها على فيسبوك، أننا جميعاً مذنبون في التعامل مع الوجود المسيحي في العراق، وليست داعش سوى إعلان صريح لواقع مضايقات قائم في كل المدن تقريباً.
عقب مجزرة كنيسة سيدة النجاة، قبل ثلاثة أعوام، كتب كثيرون حول المسألة المسيحية، وقلنا يومها ان تنظيم القاعدة يرهبهم بالعنف المروع، لكن العديد من القيود الاجتماعية من البصرة حتى الموصل، هي عنف يمارسه المجتمع أيضا، في حق المسيحيين، تحت شعار ان على"الأقلية"ان تخضع للقواعد الثقافية التي تريدها"الأكثرية".
لم تكن صدمة كنيسة النجاة، كافية لنراجع منطق التغلب هذا. وليس من السهل ان تكون تهديدات داعش الأخيرة لمسيحيي العراق، مناسبة لمراجعة جادة، لكن علينا ان ندرك بلا تأخير، ان ترددنا في الحديث بصراحة عن نظام الأكثرية الثقافي، ومخاطره، هو اكبر جريمة نرتكبها، في حق مسيحيي العراق.
وهي ليست جريمة في حق المسيحي من زاوية دينية، بل من زاوية ثقافية عميقة. نظام الأغلبية الثقافي من هذا المنظور، يظلم كذلك المسلمين الذين اختاروا طريقة الحياة الحديثة، وهم بمئات الألوف في المد ن والأطراف. وهذه شريحة متحضرة موالية للقانون والاعتدال، معارضة للتشدد. وهذه الشريحة هي مصل وقاية المجتمع من الانهيار، وهي فوق الانقسام الفئوي. هي أيضاً واجهة بلادنا في كل مناسبة. لكنها تعرضت إلى ظلم متواصل، فالأغلبية تريد ان يخضع لها الجميع، لا تفاوض ولا تناقش في هذ، رغم ان جهات الاعتدال الديني قالت كلاماً مهماً في مناسبات كثيرة، لكن الأمر ظل ناقصاً وبشدة ولم يتحول إلى تغيير ثقافي.
العناد الثقافي، هو رفض للانخراط في العالم المتحضر ومعاييره. العالم المتحضر الذي هرب إليه المسلمون من ظلم مجتمعاتهم الإسلامية. أما التلكؤ في اعتماد المعايير المتحضرة، لإدارة تنوعنا البشري، فلن ينتج سوى نماذج من داعش تختلف في الكم والنوع، لكنها تبقى قنابل موقوتة للانتحار الذاتي.
إما أن تفكر الأمة في هذا بنحو جاد، أو نلتقيكم"على خير"في الألف الرابع للميلاد، محجوزين داخل المأزق ذاته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. عراقي

    ستكون هناك حرب كبيره في الموصل لذا أتت الأوامر بإخراج المسيح حفاضا على أمنهم وسيعودون بعد المعركة الى ديارهم٠

  2. محمد توفيق

    أي صندوق تكافل ؟ يرحون يبوكونه مثل ماباكو تبرعات المواطنين لضحايا جسر الإئمة أيام حكم الجعفري ، أو تجي الأمم المتحدة وتكون مسؤولة عن الصندوق .. بلد كلها حرامية ...

  3. عراقي

    (حيث ما منفعه للناس هناك شرع الله) ، منقول، نحن الناس العاديين عندما نستفهم من رجال وعلماء الدين بمختلف مذاهبهم عن شيء نجهله ، يجيبونا بنصوص محددة يدعوون انها من الله ؟ وان جهنم تنتظرنا اذا لم نلتزم ، وجنتهم غير مضمونه لنا حتى لو التزمنا ، طبعا جنة العلم

  4. عماد السهلاني

    اهلا بكم احبتي ماحدث في العراق هو نكبه كبرئ الئ كل العراقين الشرفاء وامتحان عسير الئ الطيف السياسي الذي ظهر في اسؤء صوره في البلد التاريخ يعلن انه لن يرحم احد في ايام النهوض الوطني نعم للعراق يسقط المرتزقه

  5. سعد

    الاخ العراقي في معرض ردك على مقال الاستاذ سرمد الطائي اقول هل انت مقتنع ان تهجير المسيحيين لوجود معركة كبيرة ثم العودة الى الموصل اذا لماذا سرقو ممتلكاتهم وذهبهم ومالهم حتى خاتم الزواج سرقوه وكتبو على دورهم من عقارات الدولة الاسلامية ..ارجو ان تكون اكثر ا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram