TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > الطائر العربي عبد الرحمن منيف

الطائر العربي عبد الرحمن منيف

نشر في: 4 ديسمبر, 2009: 06:12 م

د. جاسم العقابيمثل كثير من الفقراء الحالمين كنت ارسم على وجه السماء خيولا راكضة باستمرار ، كنت افعل هذا عندما تكون السماء شديدة الزرقة وليس فيها غيمة واحدة ، وكانت هذه الخيول شديدة الجموح وشديدة القوة ، وكانت تسافر دائما ،
 وكنت امتطيها باستمرار واسافر ، لكني في هذا السفر لم اكن ابحث عن شيء ، او اعرف شيئا ، حتى جاء يوم مللت فيه ان اسافر ببلاهة هكذا ، فبدأت ابحث عن اهداف لهذا السفر لكن بحثي كله ضاع ، وانتهى بلا جدوى ، فقررت ان اتعلم القراءة ، وكانت تلك هي البداية لرحلة عذابي الحقيقية على الارض “.هذه الكلمات تكشف عن احساس الاديب العربي عبد الرحمن منيف بقرب الرحيل ، وبها ايضا يمسك بأيدينا لندخل الى حياته التي تمثل عملا ادبيا خالصا والتي تعد منظومة متواصلة من السفر والترحال والغربة والبحث عن الزمن الضائع ، حيث يعد الرحيل اهم ما يميز هذا الاديب العربي الكبير ، صاحب اكبر خماسية روائية عربية ظهرت حتى الان ، وتمت ترجمتها الى لغات العالم المختلفة وانتشرت ابداعاته وتوزعت في بلدان الارض وهي خماسية”مدن الملح “ فضلا عن انتاجه الروائي الغزير . تضاريس جسده كانت كالخريطة العربية ، سمرة بلون ارض السواد حين تفيض الانهر على ضفاف النيل والفرات وقلب مثل الهضاب النابضة تنتظر مطرا لايجيء وروح طليقة مثل الصحراء المفتوحة لا تعترف بحدود الا عندما يتوافر كلأا الروح ومياه الحياة ، هكذا عاش عبد الرحمن منيف غامضا مثل كهوف النفس العربية ساطعا وقاسيا احيانا مثل شمسها ، حينما ظهر في العام 1998 على مسرح صغير لدار الاوبرا المصرية ، وهو يتسلم جائزة الرواية العربية . لم يصدق اكثر من شخص انه حقيقي وانه طوال هذه الفترة كان يكتب هاربا من عدسات الضوء ومن الانكشاف الواضح للذات ، كان موجودا وماثلا امام كل العيون التي لم تعد تصدق من كثرة ماخدعت ، يقف بقامته الفارعة واناقته البادية يتسلم جائزة متواضعة القيمة ولكنها كبيرة المعنى ، تعني انه اكبر روائي عربي على قيد الحياة انذاك ، واذا كان نجيب محفوظ قد بقي اسيرا للقاهرة وحواريها ، فأن عبد الرحمن منيف قد جاب كل حواري العواصم العربية واستمد من شوارع المدن العالمية زادا جديدا، وسعت من افق الرؤية لديه كما زادت من مساحة”القماشة “ التي تجري عليها احداث الرواية العربية . كان هو المواطن العربي الاشمل - على حد تعبير الناقد المصري فاروق عبد القادر - فهو مولود لأب سعودي وأم عراقية وتزوج امرأة سورية ، واقام في دمشق ثم بيروت وتعلم في بغداد وعمان وتمشى في ازقة الخليج وعاش ازمات البترول العربية دارسا ومختصا في مجال الاقتصاد ، ثم عاش ازمة الابداع العربي عندما كان يريد ان يقول كلمته ، فيجد سيف المصادرة في انتظاره . ولد عام 1933 في عمان وانهى دراسته الثانوية بها ثم انتقل منها الى بغداد عام 1953 ولكنه لم يبق فيها الا عامين فقط ، فقد اعلن احتجاجه هو وعدد من الطلاب العرب والعراقيين على توقيع قيام”حلف بغداد “ وتم طردهم من العراق فما كان منه الا ان اكمل دراسته في القاهرة . في 1958 غادر الوطن العربي مؤقتا الى يوغسلافيا حيث حصل على درجةالدكتوراه في العلوم الاقتصادية في اختصاص اقتصاديات النفط ليعمل في مجال النفط في سوريا . دخل منيف عالم الرواية مثل مفاجأة غير متوقعة ، ففي الاربعين من عمره صدرت له رواية”الاشجار واغتيال مرزوق “ عام 1973 حيث قدمت شهادة على الادب الواقعي الملتزم وظن الجميع بانها نزوة لرجل اقنصادي قد مل من لغة الارقام ، ولكن اغتيال الاشجار كانت بداية طريقه الطويل لاكتشاف كل انواع الاغتيالات التي حدثت في الواقع العربي . كان رومانسيا وعاطفيا في رواية”قصة حب مجوسية “ عام 1974 ، وكان ناقما على السجون العربية وما يحدث فيها من انتهاكات في رواية ” شرق المتوسط “ 1975 وكان عاشقا محبا للصحراء وسحرها الغامض المليء بالخوف في”النهايات “ 1977 . ودخل في تجربة غريبة مع جبرا ابراهيم جبرا في” عالم بلا خرائط “ عام 1982 . حيث كان كل واحد منهما يكتب فصلا في الرواية ، وقد كانت هذه التجربة اعادة حية للتجربة التي قام بها طه حسين وتوفيق الحكيم حيث كتبا معا” القصر المسحور “ ثم كتب خماسيته المشهورة” مدن الملح “ التي بدأها بكتاب”التيه “ 1984 ثم” الاخدود “ 1985 و”تقاسيم الليل والنهار “ 1989 و” المنبت “ 1989 واخيرا ” بداية الظلمات “ 1989 . يقول عبد الرحمن منيف في حديث صحفي لاحدى الصحف الالمانية عن سبب تسمية ملحمته” مدن الملح “ انها تعني المدن التي نشأت في برهة من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي ، واصبحت مثل بالونات يمكن ان تنفجر ، ان تنتهي بمجرد ان يلمسها شيء حاد ، الشيء ذاته ينطبق على الملح فبالرغم انه ضروري للحياة والانسان والطبيعة وكل المخلوقات فأن اي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram