هذا الحوار اجري مع الروائي الراحل عام 1991 اجراه الصحفي العراقي جمعة الحلفي ونشر في مجلة الحرية التي تصدر عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.. منارات تعيد نشر الحوار لاهميته*نبدأ من الادب: وبالتحديد من الجديد بالنسبة لك، فعلى حد علمي هناك رواية جديدة بعنوان (شرق المتوسط مرة اخرى)، ماذا عن هذه الرواية؟
هل يمكن اعتبارها امتدادا لروايتك السابقة (شرق المتوسط؟) ثم اين يمكن وضعها في سياق مسيرتك الروائية خاصة بعد خماسية (مدن الملح)؟.**رواية (شرق المتوسط مرة اخرى) هي في الواقع، تجسيد للحالة الدائمة التي سادت المنطقة ولاتزال مستمرة، واقصد حالة القمع، ومن الطبيعي عندما يصبح للقمع مؤسسات وحجم من هذا النوع وامتداد يشمل المنطقة كلها، لايصبح فقط شالا للحركة وانما يغيب كل امكانية لمحاولة التقدم، ومواجهة الاعداء الاساسيين، ومن هنا كان هاجسي الدائم هو معالجة هذه القضية، اي قضية القمع، طبعا للقمع مظاهر واشكال متعددة، وهو يكاد يشمل حياتنا العربية من جميع جوانبها، لكن ابرز الرموز المعبرة عنه هو السجن، فالسجن تجسيد لعملية اضطهاد الانسان ومحاولة الغائه، ولذلك عندما كتبت رواية شرق المتوسط اردت ان تكون عبارة عن نوع من الاقتراب من الموضوع والتنبيه له، ومنذ كتابة تلك الرواية وحتى الان، وجد تطور كبير يمكن ان يكون الابرز والاهم في حياتنا المعاصرة من حيث اتساع ظاهرة وحجم القمع والاضطهاد، ولذلك كان لابد من التصدر مرة اخرى لهذه المشكلة، ومحاولة فحصها، من جديد، والتعرف على الكثير من مظاهرها واشكالها واساليبها، وخاصة تعبيرها الابرز السجن، الذي صار يتسع يوما بعد يوم، ويلتهم الكثيرين، بل يمكن القول انه ليس هناك احد بوسعه ان يكون آمنا او ان يظل خارج السجن، واذا حصل فبشكل مؤقت وشكلي..*وماذا عن السجن الكبير؟.- نعم.. نعم.. وفوق ذلك هناك السجن الكبير الذي هو من القسوة والشمول، بحيث انه صار يعطل تدريجيا معظم الطاقات، وبالتالي صار يعيق ويؤخر اي عملية تقدم، لذلك اكرر القول هناك كان لابد من التصدي لهذه الظاهرة بتطورها منذ كتابة الرواية الاولى (شرق المتوسط) وكان لابد من تنبيه الناس لها بشكل اكثر تحديدا وتوضيحا مما سبق، لكي يحاولوا عمل شيء ما من اجل وقف هذا الغول والتصدي له.طبعا من المؤكد ان المشكلة معقدة وواسعة، ولذلك يجب ان يكون الاحساس بها موازيا لطبيعتها واهميتها، خاصة وانه نتيجة لاساليب كثيرة ومتنوعة، استطاع النظام العربي، بشتى اشكاله ومفرداته، ان يحاول شل طاقة المواطن واخافته الى درجة ان هذا المواطن صار لايستطيع ان ينطق او يجهر برأيه في محاربة ظاهرة القمع.وربما كانت هذه الظاهرة بالذات احد اهم الاسباب التي تفسر الكثير من التخلف والخيبات والهزائم التي لحقت بنا، سواء كمواطنين او كشعوب، وباعتقادي انه مالم يتم التصدي لظاهرة القمع ومالم يتم التوصل الى قيم ديمقراطية في حياتنا العربية يكون فيها القانون هو الحكم والحاكم في العلاقة، وان يسود المجتمع المدني وتسود العقلانية والتعددية، فسوق نبقى ندور في نفس الدائرة، فانا اعتقد ان الديمقراطية هي حجر الاساس في اي نهوض جديد ومالم يتوفر جو ديمقراطي، يتحدد فيه الحق والواجب بالنسبة للمواطن والحاكم، وتتحدد فيه الامور بوضوح ، فان مسألة الحكم الشمولي او الحكم الواحدي، سواء كان حزبا او اتجاها فكريا ستظل هي السائدة وبالتالي لن تكون هناك اطلاقا اية امكانية حتى للتفكير بمواجهة الهجمة الامبريالية الشرسة، التي اصبحت لاتبتغي فقط السيطرة على موارد المنطقة او الهيمنة على الانظمة او فرض نوع من الحلول لمشكلاتنا، وانما تبتغي ايضا الغاء الاخر او اخضاعه بشكل كامل وتحويله الى مجرد اداة وبالتالي استنزافه من حيث الامكانات والطاقات.*اين يمكن ان نضع (شرق المتوسط مرة اخرى) بالنسبة الى خماسية (مدن الملح).. هل نضعها قبل او بعد؟.- كما قلت لك سابقا، قضية القمع كانت ولاتزال مستمرة، ويمكن ان تعالج باشكال ومستويات متعددة وفي كل وقت، وهذا ما فعلته في (شرق المتوسط مرة اخرى) اما بالنسبة الى (مدن الملح) فهي عبارة عن موضوع آخر، قد يكون مرتبطا، ولكنه مستقل من جوانب اخرى، اي يمكن ان يكون له علاقة بقضية القمع، من جهة وافتراق عنها، من جهة اخرى.*اذن يمكن ان ننتقل الان الى (مدن الملح) مادمنا بدأنا بالحديث عنها، فقد وصفت خماسية (مدن الملح) بأنها عمل ملحمي، وهي كذلك حقا، وحسب بعض النقاد تعد الخماسية نقلة نوعية في مسيرة الرواية العربية.. هل يمكن ان تحدثنا عن ظروف كتابة (مدن الملح).. عنها كتجربة فنية وكتجربة تاريخية.. وعن المقاربة بينها كعمل فني ابداعي وبين الواقع التاريخي الذي تناولته او انطوت عليه؟.- (مدن الملح)، تعالج مشكلة العلاقة بيننا وبين الاخر، بيننا كعرب وبين الغرب منذ بداية هذا القرن، فالاستعمار الغربي كان يحاول، على الدوام، الحصول على المواد الاولية، كما كان يحاول الهيمنة على الاسواق واستغلال الشعوب بشكل او آخر، فالى ماقبل اكتشاف النفط، كانت معظم بلداننا تقريبا، وخاصة المناطق الساحلية، عبارة عن مناطق مرور للمستعمر، فقد كانت للاستعمار البرتغالي، مثلا، ثم الاستعمار البريطاني، مجموعة من المنشآت على السواحل، مهمتها تسهيل وحماية طرق مواصلاته الى الهند، ولكن رغ
هكذا تكلم عبد الرحمن منيف:الفكر الا شتراكي هو فكر المستقبل
نشر في: 4 ديسمبر, 2009: 06:17 م