يُغطي أزيز الرصاص ودوي المدافع، ونهر الدماء المسفوكة في سوريا والعراق، على الواقع اللبناني المأزوم، والقابل للانفجار بعنف، وقد بات مفتوحاً على آفاق مغلقة، خصوصاً بعد الفشل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وخلو المنصب من شاغله ما يقرب من شهرين، وانتقال تبعات ذلك الفراغ إلى الحكومة، التي وجدت نفسها عاجزة عن أداء مهامها، نتيجة وقوعها فريسة التفاهم على أن قراراتها تتخذ بالإجماع، وصولاً إلى مجلس النواب، العاجز بسبب الخلافات المستحكمة بين أساطين السياسة، حول معظم القضايا المطروحة أمامه وشغور موقع الرئاسة.
تتعاظم المخاوف اليوم، من التشابك المزعج والمخيف بين ملفات الرئاسة والحكومة والبرلمان، ما يعني انسداداً كاملاً للأفق، وبما يقود إلى انفلات الأوضاع من الضوابط التي كانت تحكمها حتى اللحظة، والانخراط تماماً بالأحداث الدراماتيكية في سوريا والعراق وغزة، وهي ساحات يتلقى لبنان بعض شررها المتطاير، على شكل معارك ضارية ومتجددة بين حزب الله ومقاتلي المعارضة السورية، وتحتدم في جغرافيا جرود عرسال اللبنانية ومنطقة القلمون السورية، وليس بعيداً انتقالها إلى شمال لبنان، حيث تعرضت قرى وادي خالد لهجمات صاروخية من الجانب السوري، ومن ناحية ثانية فإن استمرار إطلاق الصواريخ على المستعمرات والبلدات الإسرائيلية من جنوب لبنان، لإظهار التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة، يثير المخاوف الدولية، التي حذرت من نتائج تفاقم الأوضاع في الجنوب.
ثمة احتمال ضعيف أن تؤدي هذه الأوضاع القلقة، إلى انفراجة إجبارية تتمثل بفتح ملف الرئاسة، للتوصل إلى نتيجة عملية إيجابية، بدل المضي في لعبة الجلسات النيابية، التي فشلت في انتخاب الرئيس، على وقع الانقسام بين مؤيد لسمير جعجع، وداعم للجنرال عون، مع ثقة الجميع بعدم قدرة أي منهما على حسم الأمر لصالحه، وربما تتمثل اللعبة في أن يكون تراكم الأزمات داخلياً، في إطار فرض وقائع ضاغطة على جميع الأطراف، لاستعجال إنهاء مرحلة شغور الموقع الرئاسي، خصوصاً بعد قرع السياسي المخضرم نبيه بري، رئيس البرلمان ناقوس الخطر معلناً أنه اذا تم انتخاب رئيس سريعاً، رغم كل هذا التأخير، فإن البلد يستعيد 90 في المئة من مناعته، وإلا فإننا نتجه نحو الأسوأ، وعلى نفس المنوال نسج النائب وليد جنبلاط، فاقترح سحب ترشيح المترشحين الثلاثة، جعجع وعون والنائب في كتلته هنري حلو، لمصلحة شخصية توافقية، من بين الأسماء التي يتم تداولها وهي تنحصر في قائد الجيش العماد قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة و العميد المتقاعد جورج خوري والنائب السابق جان عبيد.
الراهن أن فريق الثامن من آذار، بات مقتنعاً بضرورة حسم الملف الرئاسي، تجنباً لتداعيات ما يحدث في سوريا والعراق، كما أن المعادلة الداخلية المتمثلة بالتقارب بين بري والحريري، ستكون من أهم مفاتيح الحلقة المغلقة، التي يدور وطن الأرز فيها، بالرغم من عدم توافقهما على بعض الملفات الداخلية، التي لابد من التوافق حولها، لتسيير حياة المواطنين، المعطلة نتيجة الإضرابات المتكررة، التي دعت رئيس الوزراء للتحذير من تراجع الأوضاع العامة، بفعل التعطيل الذي أصاب السلطة التشريعية، وبدأ يتسلل إلى السلطة التنفيذية وكل المؤسسات، ودعت بري لتشبيه وطن الأرز بمنزل تزنر النيران أسواره.
لبنان بلد بلا رئيس، ومؤسساته الدستورية شبه معطلة, وهو في مرمى نيران الوضع المتفجر في المنطقة، وسياسيوه يفتشون عن مصالحهم الخاصة مستقوين بالخارج، ومواطنوه ينتظرون الفرج، أو انفجار الوضع الذي سيكون مأساوياً ومدمراً.
لبنان والمستقبل المجهول
[post-views]
نشر في: 20 يوليو, 2014: 09:01 م