TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا يعني (المسرح الموسيقي)

ماذا يعني (المسرح الموسيقي)

نشر في: 21 يوليو, 2014: 09:01 م

أتذكر أن زملائي بقسم الفنون المسرحية خلال الثمانينات من القرن الماضي وعندما اطلقت لهم مصطلح (المسرح الموسيقي) دهشوا واستغربوا وقالوا انه (المسرح الغنائي) أو (المسرح الاستعراضي) وعندما قلت لهم الصحيح هو (المسرح الموسيقي) وعندما اصروا على رفضهم تلك التسمية أخرجت لهم كتاباً باللغة الانكليزية صادر من منظمة اليونسكو بعنوان (المسرح الموسيقي في مجتمع متغير) فصمتوا ولم ينسبوا ببنت شفة.
ليس هناك من لبس في استخدام مصطلح (المسرح الموسيقي) كمضاد لمصطلح (الأوبرا) حيث هذا الاخير يقتصر على نوع واحد من أنواع المسرح الذي تعددت أنواعه وأشكاله، صحيح ان البداية كانت مع فن الأوبرا في القرن السابع عشر وفي ايطاليا بالذات ثم اتسع نطاقه الى باقي الدول الأوروبية، وكانت اول محاولة لتغير صيغة الدراما المغناة قد جاءت مع الموسيقار (ريجارد فاغنر) في القرن التاسع عشر حين انتقد الصيغة السابقة التي تقدم الموسيقى والغناء على الفعل الدرامي والشخصية، واطلق بديلاً في إيجاد التوازن بين العنصرين – الموسيقي والغنائي، واعتبرت تنظيرات في ذلك السبيل من الممهدات للمسرح الحديث وظهرت تلك التنظيرات في ثلاثة مقالات هي (الفن والثورة) عام 1849، و (العمل الفني والمستقبل) عام 1850، و (الاوبرا والدراما) عام 1952، وفي تلك المقالات ناقش المبدأ القائل! ان اي فن لايتحقق بحد ذاته بل بالتعاون مع الفنون الاخرى، اي انه أراد توحيد الفنون كما كان الحال في النموذج الاغريقي في اثينا القديمة خمسمائة سنة قبل الميلاد، ودعا في تلك المقالات الى ان تكون للموسيقى لغة درامية وان تكون جميع العناصر الفنية في الانتاج المسرحي الموسيقي بيد فنان واحد هو مؤلف النص ومؤلف الألحان الموسيقية والغنائية وهو المصمم للمناظر والأزياء والإضاءة وهو المخرج الذي يمسك بخيوط اللعبة جميعها.
لم يقتصر المسرح الموسيقي وبالذات (الأوبرا) على العالم الأوروبي بل تعداه الى منطقة الشرق وخصوصاً الصين حيث كانت ومازالت هناك صيغة مميزة من المسرح الموسيقي سميت (أوبرا بكين) ويهيمن على العرض العنصر الغنائي حيث يحتوي على مقاطع طويلة من الانشاد وبمرافقة الموسيقى الصاخبة وهناك مقاطع كلامية – حوارية، وتبلورت الصيغة الصينية اواخر القرن الثامن عشر واحتوت على محورين دراميين هما: المسرحيات المدنية التي تتعامل مع الموضوعات الاجتماعية والدينية، والمسرحيات العسكرية وتشمل المعارك ومغامرات الفرسان، وقد يمتزج المحوران في عرض واحد، وتدخل الموسيقى عنصراً مهماً في الدراما التقليدية الهندية وكذلك الحال في مسرح (نو) و (الكابوتي) الياباني.
ظهرت في أوروبا أواخر القرن الثامن عشر صيغ اخرى من المسرح الموسيقى تقترب وتبتعد عن الأوبرا بنسبة او اخرى ومنها (الأوبرا الجادة) التي اعتمدت الدراما فيها على موضوعات من التاريخ القديم وفيها مواقف بطولية ومن امثلتها (اورنيوس و يوريديس) للموسيقار (غلوك) عام 1792، وظهرت ايضاً (الاوبرا يونا) أو (الأوبرا الكوميدية) التي تأصلت في مدينة (نابولي) الايطالية ثم انتشرت بعد ذلك في انحاء اوروبا وتحتوي على التعليق الساخر ومثالها (زواج فيغارو) للموسيقار (موزارت) عام 1786، وكانت (الاوبرا كوميك) قد سبقت في ظهورها عام 1716 وذلك في مسارح المعارض واصبحت من اهم التسليات الشعبية ثم ظهرت (الاوبرتيا) وهي نوع من الاوبرا الخفيفة حيث ان فيها اضافة للموسيقى والغناء حواراً منطوقاً ورقصات، ويؤرخ ظهور الاوبرتيا الى منتصف القرن الثامن عشر في ايطاليا ومن امثلتها (اورفيوس في العالم الاسفل) عام 1858.
في مطلع القرن العشرين راح البعض من فناني المسرح يحولون الدراما المعروفة الى مسرحيات موسيقية والكوميديات ايضاً، وساد هذا الصنف المسرح التجاري في اميركا اولاً وفي اوروبا ثانياً ثم انتقل الى انحاء العالم ابتداءً من اوائل الخمسينات من القرن العشرين واستهوت المسرحية الموسيقية المعتمدة على الدراما المشهورة الجمهور الواسع حيث راحت عروضها تستمر لأشهر بل لسنوات ومنها على سبيل المثال (قصة الحي الغربي) المأخوذة عن (روميو و جوليت) و (سيدتي الجميلة) المأخوذة عن مسرحية شو (بيغماليون) والمسرحيتان المبتكرتان (شعر) و (قطط) واللتان تميزتا بالعنصر المتحرك والراقص الى جانب العنصر الموسيقي والغنائي.
ساهمت التكنولوجيا الجديدة كثيراً في انتاج المسرح الموسيقي المعاصر حيث أكسبت العروض كل ما يدهش المتفرج من مناظر وصور متنوعة ومتحركة بأشكالها وألوانها التي تبهر الأنظار بواسطة الأليكترونيات والليزر والتي اصبحت تقنياتها في الآونة الاخيرة مبتذلة يسهل ويكثر استخدامها ففقدت دهشتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram