تكثفت الجهود الدبلوماسية الرامية لوقف جنون الحرب الدائرة في غزة، وتتصاعد وتيرتها يومياً لتصل إلى مجزرة ضحيتها الأبرياء من الفلسطينيين، وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة يزور المنطقة بعد أكثر من 500 شهيد غزاوي، للتعبير عن "التضامن" مع القاتل والمقتول، فإن الترجمة العملية أنه سيعمل مع اللاعبين الإقليميين والدوليين لإيجاد مخرج للأزمة، وهو لذلك سيزور عدة عواصم عربية، دون تحديد لجدول أعماله، المؤكد أن أساسه مناقشة وضع المبادرة المصرية موضع التنفيذ، رغم رفضها من حماس، الراغبة في تدخل قطري تركي، على خلفية الانتماء المشترك لجماعة الإخوان المسلمين، وأعقب الرفض الحمساوي للمبادرة التي قبلتها إسرائيل، تصعيد يستنزف المزيد من الدم الفلسطيني، ويدمر ما تبقى من قطاع غزة المنكوب.
أخيراً تحرك مجلس الأمن الدولي، بدعوة من الأردن، ليعبر عن قلقه الشديد إزاء العدد المتزايد من الضحايا، ويجدد دعوته لوقف فوري للأعمال العدائية، واحترام القوانين الدولية، خصوصاً حول حماية المدنيين، وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعا المجلس لعقد جلسة طارئة، وتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مُعتبراً أن فشله في وقف العدوان، لا يعفيه من مسؤولياته وفق القانون الدولي. وإذ يرى البعض أن هذا الاجتماع، سيكون خطوة تسبق "احتمال" التقدم نحو إصدار قرار يدعو لوقف إطلاق النار، فإن نتائج التحرك الدولي واضحة، وتصب عملياَ في مصلحة إسرائيل، التي تؤكد للمجتمع الدولي أن لها الحق في الدفاع عن نفسها، وتذرف دموع التماسيح على الضحايا.
موقف السلطة الفلسطينية معروف، وهو مع التهدئة، لذلك سافر رئيسها إلى الدوحة، للقاء رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، الذي كان قام بزيارة قصيرة إلى الكويت، أجرى خلالها محادثات مع أميرها وعدد من الدبلوماسيين، معروف أن الكويت تدعم المبادرة المصرية الرامية للتهدئة، وباراك أوباما هاتف نتنياهو ليبلغه أن وزير خارجيته سيزور القاهرة، في مسعى لوقف القتال ولم ينسى إدانة هجمات حماس الصاروخية، وعلى الهامش أبدى قلقه من ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين الفلسطينيين وضم لذلك سقوط جنود إسرائيليين، بينما وجدت بعض الدول العربية، المنشغلة بأزماتها وحروبها، متسعا من الوقت لإدانة المجزرة، وكفى الله المؤمنين القتال.
تعتقد القاهرة وهي تؤكد عدم تخليها عن الفلسطينيين، أن حماس خسرت سياسياً وعسكرياً، بينما يتوهم قادتها أن مصر تقف إلى جانب إسرائيل ضدهم، أو على الأقل تقف على الحياد من العدوان، ويعتبرون أن الموقف الحيادي بمثابة دعم للعدوان على غزة، وهم في الأثناء يواصلون بث أغاني النصر، على طريقة الشيخ نصر الله في حرب تموز، دون اكتراث بقوافل الشهداء، والدمار المحيق بالقطاع المنكوب، ويضغطون لتحويل معبر رفح المصري إلى إدارة دولية، دون اعتبار للسيادة المصرية، ومتطلباتها لحفظ أمن مصر والمصريين، فيما تواصل القاهرة اتصالاتها مع قيادات من حماس، لم تنخرط في لعبة التودد إلى إيران، والسعي للانضمام مجدداً إلى محور الممانعة.
ستنتهي حرب غزة كما انتهت بقية الحروب، ستحقق إسرائيل هدفها بتدمير ترسانة حماس، مع أقل قدر ممكن من الخسائر، وستتبجح حماس بالنصر المؤزر وهي تحصي عديد الشهداء، ولن ترضخ مصر لمطلب التخلي عن سيادتها على معبر رفح، بينما تجمع أنقرة والدوحة نقاط تقدم الإخوان المسلمين، على حساب الدم الفلسطيني، وفي الأثناء ستراوح التهدئة بين تصلب حماس السياسي، وصلابة العدوان الإسرائيلي، الذي سيؤدي إلى مزيد من الدمار والضحايا الأبرياء.
غزة بين الهدنة والإبادة
[post-views]
نشر في: 21 يوليو, 2014: 09:01 م